وأما قصة أبي بكرة فليس فيها أنه رفع رأسه من الركوع قبل دخوله في الصف وإنما يمكن التمسك بها لو ثبت ذلك ولا سبيل إليه وقد اختلفت الرواية عن الإمام أحمد فيمن ركع دون الصف ثم مشى راكعا حتى دخل فيه بعد أن رفع الإمام رأسه من الركوع, وعنه في ذلك ثلاث روايات:
إحداها تصح مطلقا, وحجة هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أبا بكرة بالإعادة ولا استفصله هل أدركه قبل رفع رأسه من الركوع أم لا ولو اختلف الحال لاستفصله. وروى سعيد بن منصور في سننه عن زيد بن ثابت أنه كان يركع قبل أن يدخل في الصف، ثم يمشي راكعا ويعتد بها. وصل الصف أم لم يصل.
والرواية الثانية: أنها لا تصح. نص عليها في رواية إبراهيم بن الحارث ومحمد بن الحكم. وفرق بينه وبين من أدرك الركوع في الصف، لأنه لم يدرك في الصف ما يدرك به الركعة فأشبه ما لو أدركه وقد سجد, وهذه الرواية أصح عند أكثر أصحابه.
والرواية الثالثة: إن كان عالما بالنهي لم تصح صلاته وإلا صحت لقصة أبي بكرة وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تعد". والنهي يقتضي الفساد, ولكن ترك في الجاهل به حيث لم يأمره بالإعادة, وكانت هذه حال أبي بكرة.
وأما قصة ابن عباس وجابر في ترك أمرهها بابتداء الصلاة وقد أحرما فذين فهذه أولا ليس فيها أنهما قد دخلا في الصلاة. وإنما فيه أنهما وقفا عن يساره فأدارهما عند أول وقوفهما, ولو قدر أنهما أحرما كذك فمن أحرم فذا صح إحرامه بالصلاة ودخوله فيها, وإنما الاعتبار بالركوع وحده وإلا فمن وقف معه آخر قبل الركوع صحت صلاته, ولو أعتبرنا إحرام المأمومين جميعا لم ينعقد تحريم أحد حتى يتفق هو ومن إلى جانبه في ابتداء التكبير وانتهائه, وهذا من أعظم الحرج والمشقة ولهذا لم يعتبره أحد أصلا والله أعلم.
الدليل العاشر: ما رواه أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده من حديث أبي الدرداء. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ثلاثة في قرية لا يؤذن فيهم ولا