فإنه لا تعارض بين الأحاديث بوجه من الوجوه, وأما قولكم إن هذا قول شاذ فلعمر الله ليس شاذا ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته الصحيحة والصريحة, ولو تركها من تركها فلا يكون ترك السنن لخفائها على من تركها أو لنوع تأيل مسوغا لتركها لغيره, وكيف يقدم ترك التارك لهذه السنة عليها.
هذا وقد قال بهذه السنة جماعة من أكابر التابعين منهم سعيد بن جبير وطاوس وإبراهيم النخعي ومن دونهم كالحكم وحماد وابن أبي ليلى والحسن بن صالح ووكيع. وقال بها الأوزاعي, حكاه الطحاوي عنه وإسحاق بن راهويه والإمام أحمد وأبو بكر بن المنذر ومحمد بن اسحاق بن خزيمة فأين الشذوذ, وهؤلاء القائلون وهذه السنة.
وأما معارضتكم بموقف المرأة فمن أفسد المعارضات لأن ذلك هو موقف المرأة المشروع لها حتى لو وقفت في صف الرجال أفسدت صلاة من يليها عند أبي حنيفة وأحد القولين في مذهب أحمد, فإن قيل لو وقفت فذة خلف صف النساء صحت صلاتها قيل ليس كذلك بل إذا انفردت المرأة عن صف النساء لم تصح صلاتها كالرجل الفذ خلف الرجال ذكر ذلك القاضي أبو يعلى في تعليقه لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لفرد خلف الصف". خرج من هذا ما إذا كانت وحدها خلف الرجال للحديث الصحيح بقي فيما عداه على هذا العموم وأما قصة صلاته صلوات الله وسلامه عليه خلف جبريل وحده والصحابة خلفه فقد أجيب عنها بأنها كانت في أول الأمر حين علمه مواقيت الصلاة وقصة أمره صلى الله عليه وسلم الذي صلى خلف الصف فذا بالإعادة متأخرة بعد ذلك وهذا جواب صحيح.
وعندي فيه جواب آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان هو إمام المسلمين فكان بين أيديهم وكان هو المؤتم بجبريل وحده وكان تقدم جبريل عليه السلام أبلغ في حصول التعليم من أن يكون إلى حانبه كما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم على المنبر ليأتموا وليتعلموا صلاته وكان ذلك لأجل التعليم لم يدخل في نهيه صلى الله عليه وسلم الإمام إذا أم الناس أن يقوم في مقام أرفع منهم