تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان, فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية".
فوجه الاستدلال منه أنه أخبر باستحواذ الشيطان عليهم بترك الجماعة التي شعارها الأذان وإقامة الصلاة, ولو كانت الجماعة ندبا يخير الرجل بين فعلها وتركها لما استحوذ الشيطان على تاركها وتارك شعارها.
الدليل الحادي عشر: ما رواه في صحيحة رقم من حديث أبي الشعثاء المحاربي قال: كنا قعودا في المسجد فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصرة حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم. وفي رواية سمعت أبا هريرة وقد رأى رجلا يجتاز في المسجد خارجا بعد الأذان فقال: أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم, ووجه الاستدلال به أنه جعله عاصيا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بخروجه بعد الأذان لتركه الصلاة جماعة, ومن يقول الجماعة ندب يقول لا يعصي الله ولا رسوله من خرج بعد الأذان وصلى وحده, وقد احتج ابن المنذر في كتابه على وجوب الجماعة بهذا الحديث, وقال لو كان المرء مخيرا في ترك الجماعة وإتيانها لم يجز أن يعصي من تخلف عما لا يجب عليه أن يحضره, والذي يقول صلاة الجماعة ندب إن شاء فعلها وإن شاء تركها يجوز للرجل أن يخرج من المسجد وقد أخذ المؤذن في إقامة الصلاة بل يجوز له أن يجلس فلا يصلي مع الإمام والجماعة, فإذا صلوا قام فصلى وحده ولو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من يفعل هذا لأنكروا عليه غاية الإنكار بل قد أنكر ما هو دون هذا وهو على من لا يصلي مع الجماعة اكتفاء بصلاته في رحله. وقال: "ما لك لا تصلي معنا ألست برجل مسلم". وأمر بالصلاة في الجماعة لمن صلى ثم أتى مسجد الجماعة فقال: "إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة".
الدليل الثاني عشر: إجماع الصحابة رضي الله عنهم, ونحن نذكر نصوصهم وقد تقدم قول ابن مسعود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا سليمان بن المغيرة عن أبي موسى الهلالي عن ابن مسعود قال: من سمع المنادي فلم يجب عذر فلا صلاة له.