الثاني: أن هذا كان جائزا لما كانت العقوبات المالية جائزة, ثم نسخ بما نسخ العقوبات المالية.

الثالث: أنه هم ولم يفعل, ولو كان التحريق جائزا لكان واجبا لا تكون مستوية الطرفين, بل إما واجبة أو محرمة, فلما لم يفعل ذلك دل على عدم الجواز. قالوا: والحديث يدل على سقوط فرض الجماعة لأنه هم بالتخلف عنها وهو لا يهم بترك واجب. قالوا: وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما هم بإحراق بيوتهم عليهم لنفاقهم لا لتخلفهم عن حضور الجماعة.

قال الموجبون: ليس فيما ذكرتم ما يسقط دلالة الحديث, أما قولكم: إن الوعيد إنما هو في حق تارك الجمعة فنعم هو في حق تارك الجمعة وتارك الجماعة, فحديث أبي هريرة صريح في أنه في حق تارك الجماعة وذلك بين في أول الحديث وآخره, وحديث ابن مسعود في أن ذلك لتارك الجمعة أيضا فلا تنافي بين الحديثين, وأما قولكم إنه منسوخ فما أصعب هذه الدعوى وأصعب إثباتها فأين شروط النسخ من وجود معارض مقاوم متأخر ولن تجدوا أنتم ولا أحد من أهل الأرض سبيلا إلى إثبات ذلك بمجرد الدعوى, وقد اتخذ كثيرا من الناس دعوى النسخ والإجماع سلما إلى إبطال كثير من السنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا ليس بهين ولا تترك لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة أبدا بدعوى الإجماع ولا دعوى النسخ إلى أن يوجد ناسخ صحيح صريح متأخر نقلته الأئمة وحفظته: إذ محال على الأمة أن تضيع الناسخ الذي يلزمها حفظه وتحفظ المنسوخ الذي قد بطل العمل به ولم يبق من الدين.

وكثير من المولدة المتعصبين إذا رأوا حديثا يخالف مذهبهم يتلقونه بالتأويل وحمله على خلاف ظاهره ما وجدوا إليه سبيلا فإذا جاءهم من ذلك ما يغلبهم فزعوا إلى دعوى الإجماع على خلافه فإن رأوا من الخلاف مالا يمكنهم من دعوى الإجماع فزعوا إلى القول بأنه منسوخ وليست هذه طريق أئمة الإسلام بل أئمة الإسلام كلهم على خلاف هذا الطريق وأنهم إذا وجدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة صريحة لم يبطلوها بتأويل ولا دعوى إجماع ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015