نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} , فإن قيل كونهم مأمورين أن يركعوا مع الراكعين لا يدل على وجوب الركوع معهم حال ركوعهم بل يدل على الإتيان بمثل ما فعلوا, كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} , فالمعية تقضي المشاركة في الفعل ولاتستلزم المقارنة فيه. قيل: حقيقة المعية مصاحبة ما بعدها لما قبلها وهذه المصاحبة تفيد زائدا على المشاركة ولا سيما في الصلاة فإنه إذا قيل صل مع الجماعة أو صليت مع الجماعة لا يفهم منه إلا اجتماعهم على الصلاة.
الدليل الرابع: ما ثبت في الصحيحين, وهذا لفظ البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم, والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا سمينا أو مرماتين 1 حسنتين لشهد العشاء". وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا يصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار". متفق على صحته واللفظ لمسلم.
وللإمام أحمد عنه صلى الله عليه وسلم: "لولا ما في البيوت من النساء والذرية أقمت صلاة العشاء وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار".
قال المسقطون لوجوبها: هذا ما لا يدل على وجوب صلاة الجماعة لوجوه:
أحدها: أن هذا الوعيد إنما جاء في المتخلفين عن الجمعة, بدليل ما راه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لقوم يتخلفون عن الجمعة: "لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم".