قال الصاحب: ما قدرتُ أن مثل هذا البيت يلج سمعا، وقد سمعت بالأفأفاء، ولم أسمع باللألاء حتى رأيت هذا المتكلف المتعسف الذي لا يقف حيث يعرف.
ومنها: إساءة الأدب بالأدب كقوله:
فغداَ أسيراً قد بَلَلْتُ ثِيابه ... بدم وبَلَّ ببولِه الأفخاذا
وقوله:
وما بين كاذَتِي المُسْتغير ... كما بينَ كاذَتِي البائل
وقوله:
خَفِ اللهَ واسْتُرْ ذا الجمالَ ببرقُع ... فإن لُحْت حاضت في الخدور العواتق
ويقال: لما أنكرت عليه) حاضت (غيره، فجعله) ذابت (. وذكر البول والحيض مما لا يحسن وقوعه في مخاطبة الملوك والرؤساء، وأقبح موقعاً من ذلك قوله في قصيدة يرثى بها أخت سيف الدولة، ويعزيه عنها، حيث قال:
وهل سَمِعتِ سلاماً لي ألم بها ... فقد أطلتُ وما سلمتُ عن كَثَبِ
وما باله يسلم على حرم الملوك، ويذكر منهن ما يذكره المتغزل في قوله:
يَعْلَمْن حين تُحَياً حسن مَبَسمها ... وليس إلا الله بالشنَب
وكان أبو بكر الخوارزمي يقول: لو عزاني إنسان عن حرمة لي بمثل هذا لألحقته بها، وضربت عنقه على قبرها، قال الصاحب: ولقد مررت على مرثية في أم سيف الدولة، تدل مع فساد الحس على سوء أدب النفس، وما ظنك بمن يخاطب ملكا في أمه بقولع:
بعيشكِ هل سَلَوتِ فإن قلبي ... وإن جانبتُ أرضَك غيرُ سالِ
فيتشوق إليها، ويخطئ خطأ لم يسبق إليه؛ وإنما يقول ذلك من يرثى بعض أهله، فأما استعماله إياه في هذا الموضع؛ فإنه دال على ضعف البصر بمواقع الكلام.
وفي هذه القصيدة:
رِواق انعز فوقك مُسبطِرُّ ... ومُلْكُ على ابنك في كمال
ولعل لفظة الاسبطرار في مراثي النساء من الخذلان الرقيق الصفيق المبين.
قال ولما أبدع في هذه القصيدة، واخترع، قال:
صلاةُ الله خالقِنا حَنُوطُ ... على الوجْه المُكَفَّن بالجمال
فلا أدري هذه الاستعارة أحسن أم وصفه وجه والدة ملك يرثيها بالجمال، أم قوله في وصف قرابتها وجواريها:
أتتهن المصيبةُ غافلات ... فدمُع الحزنِ في دمع الدّلال
الإيضاح عن ضعف العقيدة ورقة الدين على أن الديانة ليست عياراً على الشعراء، ولا سوء الاعتقاد سببا لتأخر الشاعر، ولكن للإسلام حقه من الإجلال الذي لا يسوغ الإخلال به قولا وفعلا، ونظماً ونثراً، ومن استهان بأمره، ولم يضع ذكره وذكر ما يتعلق به في مواضع استحقاقه، فقد باء بغضب من الله تعالى، وعرض لمقته في وقته، وكثيراً ما قرع المتنبي هذا الباب بمثل قوله:
يترشفْنَ من فمي رَشفات ... هن فيه أحلى من التوحيد
وقوله:
ونُصِفي الذي يُكنى أبا الحسن الهوى ... ونُرضي الذي يُسمى الإلهَ ولا يُكْنى
وقوله من قصيدة مدح بها العلوي:
وأبهر آيات التهاميّ أنه ... أبوكم وإحدى ما لكم من مناقب
وقوله:
تتقاصر الأفهام عن إدراكه ... مثلُ الذي الأفلاك فيه والدُّنا
وقد أفرط جداً، لأن الذي الأفلاك فيه والدنا، هو علم الله عز وجل.
وقوله:
الناس كالعابدين آلهةً ... وعبدُه كالموحد اللاهَا
وقوله لفاخسرو:
لو كان علمُك في الإله مقسما ... في الناس ما بعث الإله رسولا
أو كان لفظك فيهمْ ما أنزل الت ... وراة والفرقان والإنجيلا
وقوله:
لو كان ذو القرنين أعمل رأيه ... لما أتى الظلمات صرن شموسا
أو كان صادف رأسَ عازَرَ سيفهُ ... في يوم معركة لأعيا عيسى
عازر: اسم الرجل الذي أحياه المسيح عليه الصلاة والسلام بإذن الله عز وجل.
وقوله:
أو كان لُجُّ البحر مثلَ يمينه ... ما انشق حتى جاز فيه مُوسى
وكأن المعاني أعيته، حتى التجأ إلى استصغار أمور الأنبياء.
وفي هذه القصيدة:
يا من نلوذ من الزمان بظله ... أبداً ونطرد باسمه إيليساَ
وقوله وقد جاوز حد الإساءة:
أيَّ مَحَلّ ارتقى ... أيَّ عظيم أتقى؟
وكل ما قد خلق الل ... هـ وما لم يَخْلقُ
محتقر في همتي ... كشَعْرة في مَفْرِقي
وقبيح بمن أوله نطفة مذرة، وآخره جيفة قذرة، وهو بينهما حامل بول وعذرة، أن يقول مثل هذا الكلام الذي لا تسعه معذرة.
ومنها الغلط بوضع الكلام غير موضعه كقوله: