لم تر مَنْ نادمتَ إلاكا ... لا لسوى وُدك لي ذاكا
فوصل الضمير بإلا، وحقه أن ينفصل عنه، كما قال الله تعالى: ضل من تدعون إلا إياه (.
وكقوله:
ابْعَدْ بَعْدتَ بياضا لا بياض له ... لأنت أسْودُ في عيني من الظلم
وألف التعجب لا تدخل على ألف أفعل، إنما يقال أشد سوادا، وحمرة وخضرة.
وكقوله:
جَلَلاً كما بي فَلْبَكُ التَّبريحُ ... أغِذَاءُ ذا الرَّشَا الأغنَ الشَّيح؟
وحذف النون من يكن إذا استقبلها الألف واللام خطأ عند النحويين، لأنها تتحرك إلى الكسر، وإنما تحذف استخفافاً إذا سكنت.
وكقوله:
أمِطْ عنك تشبيهي بما وكأنه ... فما أحدُ فوقي وما أحدُ مثلي
والتشبيه بما محال.
وكقوله:
لَعظمْتَ حتى لو تكونُ أمانةً ... ما كان مؤتما بها جبرينُ
قال الصاحب: وقلبُ هذه اللام إلى النون أبغض من وجه المنون، ولا أحسب جبريل عليه السلام يرضى منه بهذا المجون، هذا على ما في معنى البيت من الفساد والقبح.
وكقوله:
حملت إليه من ثنائي حديقة ... سقاها الحجَى سقَى الرياضَ السحائبِ
أي سقى السحائب الرياض.
ومنها:
تَفَكره عِلم ومَنطقة حُكمُ ... وباطنه دينُ وظاهره ظَرْفُ
وقد خرج فيه عن الوزن، لأنه لم يجيء عن العرب مفاعلين في عروض الطويل غير مصرع؛ وإنما جاء مفاعلن. قال الصاحب: ونحن نحاكمه إلى كل شعر للقدماء والمحدثين على بحر الطويل فما نجد له على خطئه مساعداً.
قال القاضي أبو الحسن، وقد عيب أيضاً بقوله:
إنما بَدْر بنُ عَمار سحاب ... هَطِلُ فيه ثوابُ وعِقابُ.
لأنه أخرج الرمل على فاعلاتن، وأجرى جميع القصيدة على ذلك في الأبيات غير المصرعة، وإنما جاء الشعر على فاعلن وإن كان أصله في الدائرة فاعلاتن.
ومنها: استعماله الغريب الوحشي، وإذا كان المتنبي من المحدثين بل من العصريين، وجرى على رسومهم في اختيار الألفاظ المعتادة المألوفة بينهم، بل ربما انحط عنهم بالركاكة والسفسفة، ثم تعاطى الغريب، الوحشي، والشاذ البدوي، بل ربما زاد في ذلك على أقحاح المتقدمين، حصل كلامه بين طرفي نقيض، وتعرض لاعتراض الطاعتين.
فمن ذلك الفن الذي ينادي على نفسه ويقلق موقعه في شعره وشعر غيره من أبناء عصره، قوله:
وما أرضَى لمقُلتهِ بحُلْمٍ ... إذا انتبهت تَوَهَّمُهُ ابْتِشاكا
والابتشاك: الكذب، ولم أسمع فيه شعراً قديماً ولا محدثا سوى هذا البيت. وقوله في وصف الغيث:
لِساحيه على الأجداثِ حفْش ... كأيدي الخيل أبصرَتِ المَخَالي
الساحي: القاشر. ومنه سميت المسحاة، لأنها تقشر الأرض، والحفش: مصدر حفش السيل حفشا: إذا جمع الماء من كل جانب إلى مستنقع.
وقوله في وصف السيف:
ودقيقُ قِدىَ الهباءِ أنيقُ ... متوال في مستو هَزْهاز
قِدىَ: بمعنى مقدار. يقال بينهما قيد رمح، وقاد رمح وقدى.
وقوله:
أركائبَ الأحباب إن الأدمعا ... تَطسُ الخدود كما تَطِسْن اليَرْمعا
تطس: أي تدق. واليرمع: الحجارة البيض الرخوة.
وقوله:
وإلى حَصَى أرض أقام بها ... بالناس من تقبيله يَللُ
الليل: إقبال الأسنان، وانعطافها على باطن الفم. ولم يسمع في شعره غيره.
وقوله: الشمس تَشْرُق والسحابَ كَنَهْورا الكنهور: القطعة العظيمة من السحاب.
وقوله: وقد غَمَرْتَ نوالا أيها النال والنال: المعطى.
وقوله: أسائلها عنِ المُتَدَيرِيها قال الصاحب: لفظة) المتديريها (لو وقعت في بحر صاف لكدرته، ولو ألقى ثقلها على جبل سام لهده، وليس للمقت فيها نهاية، ولا للبرد معها غاية، والمتديروها: المتخذوها دارا، قال الصاحب: ومن أطم ما يتعاطاه: التفاصح بالألفاظ النافرة، والكلمات الشاذة، حتى كأنه وليد خباء وغذى لبن، ولم يطأ الحضر، ولم يعرف المدر.
فمن ذلك قوله:
أيفْطِمهُ التَّوْاربُ قبل فِطامه ... ويأكلهُ قبل البلوغ إلى الأكل
وليس ذلك سائغاً لمثله وهو وليد قرية، ومعلم صبية.
ومن الجموع الغربية التي يوردها قوله في جمع الأرض:
أروض الناس من تُرب وخوف ... وأرض أبي شجاع من أمان