وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله" فأمر بقتله للأذى ماض ولم يقل "فإنه يؤذي الله ورسوله" وكذلك ما تقدم من الآثار فيها دلالة على أن السب أوجب القتل والسب كلام لا يدوم ويبقى بل هو كالأفعال المنصرمة من القتل والزنى وما كان هكذا فالحكم فيه عقوبة فاعله مطلقا بخلاف القتل للردة أو للكفر الأصلي فإنه إنما يقتل لأنه حاضر موجود حين القتل لأن الكفر اعتقاد والاعتقاد يبقى في القلب وإنما يظهر أنه اعتقاد بما يظهر من قول ونحوه فإذا ظهر فالأصل بقائه فيكون هذا الاعتقاد حاصلا في القلب وقت القتل وهذا وجه محقق ومبناه على أن قتل الساب ليس لمجرد الردة ونقض العهد فقط كغيره ممن جرد الردة وجرد نقض العهد بل لقدر زائد على ذلك وهو ما جاء به من الأذى والإضرار وهذا أصل قد تمهد على وجهه لا يستريب فيه لبيب.
الطريقة الخامسة والعشرون: أن هذا قتل تعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم فلم يسقط بإسلام الساب كما لو قتل نبيا وذلك أن المسلم أو المعاهد إذا قتل نبيا ثم أسلم بعد ذلك لم يسقط عنه القتل فإنه لو قتل بعض الأمة لم يسقط عنه القتل بإسلامه فكيف يسقط عنه إذا قتل النبي؟ ولا يجوز أن يتخير فيه خليفة بعد الإسلام بين القتل والعفو على الدية أو أكثر منها كما يتخير في قتل قاتل من لا وارث له لأن قتل النبي أعظم أنواع المحاربة والسعي في الأرض فسادا فإن هذا حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا بلا ريب وإذا كان من قاتل على خلاف أمره محاربا له ساعيا في الأرض فسادا فمن قاتله أو قتله فهو أعظم محاربة وأشد سعيا في الأرض فسادا وهو من أكبر أنواع الكفر ونقض العهد وإن زعم أنه لم يقتله مستحلا كما ذكره إسحاق بن راهويه من أن هذا إجماع من المسلمين وهو ظاهر وإذا وجب قتله عينا وإن أسلم وجب قتل سابه أيضا وإن أسلم لأن كلاهما أذى له يوجب القتل لا لمجرد كونه ردة أو نقض