وبهذا يظهر الفرق بينه وبين غيره من الأموات على قول أبي بكر فإن ذلك الميت لا يتعدى ضرر قذفه في الأصل إلى غيره فإذا تعذرت مطالبته أمكن أن يقال: لا يستوفي حد قذفه وهنا ضرر السب في الحقيقة إنما يعود إلى الأمة بفساد دينها وذل عصمتها وإهانة مستمسكها وإلا فالرسول صلوات الله عليه وسلامه في نفسه لا يتضرر بذلك.

وبه يظهر الفرق بينه وبين غيره في أن حد قذف الغير إنما يثبت لورثته أو لبعضهم وذلك لأن العار هناك إنما يلحق الميت أو ورثته وهنا العار يلحق جميع الأمة لا فرق في ذلك بين الهاشميين وغيرهم بل أي الأمة كان أقوى حبا لله ورسوله وأشد إتباعا له وتعزيرا وتوقيرا كان حظه من هذا الأذى والضرر أعظم وهذا ظاهر لا خفاء به وإذا كان هذا ثابتا لجميع الأمة فإنه مما يجب عليهم القيام به ولا يجوز لهم العفو عنه بوجه من الوجوه لأنه وجب لحق دينهم لا لحق دنياهم بخلاف حد قذف قريبهم فإنه وجب لحظ نفوسهم ودنياهم فلهم أن يتركوه وهذا يتعلق بدينهم فالعفو عنه عفو عن حدود الله وعن انتهاك حرماته فظهر الجواب عن المقدمتين المذكورتين.

الوجه الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث فلا يصح أن يقال: إن حق عرضه يختص به أهل بيته دون غيرهم كما أن ماله لا يختص به أهل بيته دون غيرهم بل أولى لأن تعلق حق الأمة بعرضه أعظم من تعلق حقهم بماله وحينئذ فيجب المطالبة باستيفاء حقه على كل مسلم لأن ذلك من تعزيره ونصره وذلك فرض على كل مسلم.

ونظير ذلك أن يقتل مسلم أو معاهد نبيا من الأنبياء فإن قتل ذلك الرجل متعين على الأمة ولا يجوز أن يجعل حق دمه إلى من يكون وارثا له لو كان يورث: إن أحب قتل وإن أحب عفا على الدية أو مجانا ولا يجوز تقاعد الأمة عن قتل قاتله فإن ذلك أعظم من جميع أنواع الفساد ولا يجوز

طور بواسطة نورين ميديا © 2015