فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموه وأسروه وقال قتادة: ذكر لنا أن المنافقين أرادوا أن يظهروا ما في قلوبهم من النفاق فأوعدهم الله في هذه الآية فكتموا ولو كان إظهار التوبة بعد إظهار النفاق مقبولا لم يمكن أخذ المنافق ولا قتله لتمكنه من إظهار التوبة لا سيما إذا كان كلما شاء أظهر النفاق ثم أظهر التوبة وهي مقبولة منه.

يؤيد ذلك أن الله تبارك وتعالى جعل جزاءهم أن يقتلوا ولم يجعل جزاءهم أن يقاتلوا ولم يستثن حال التوبة كما استثناه من قتل المحاربين وقتل المشركين فإنه قال: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} وقال في المحاربين: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا} إلى قوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} فعلم أنهم يقتلون من غير استتابة وأنه لا يقبل منهم ما يظهرونه من التوبة.

يوضح ذلك أنه جعل انتهاءهم النافع قبل الإغراء بهم وقبل الأخذ والتقتيل وهناك جعل التوبة بعد ذكر الحصر والأخذ والقتل فعلم أن الانتهاء بعد الإغراء بهم لا ينفعهم كما لا تنفع المحارب التوبة بعد القدرة عليه وإن نفعت المشرك من مرتد وأصلي التوبة بعد القدرة عليه وقد أخبر سبحانه أن سنته فيمن لم يتب عن النفاق حتى قدر عليه أن يؤخذ ويقتل وأن هذه السنة لا تبديل لها والانتهاء في الآية إما أن يعنى به الانتهاء عن النفاق بالتوبة الصحيحة أو الانتهاء عن إظهاره عند شياطينه وعند بعض المؤمنين.

والمعنى الثاني أظهر فإن من المنافقين من لم ينته عن إسرار النفاق حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015