حال وإن أظهروا التوبة بعد القدرة ولو كان أريد المرتد المجرد لما احتيج إلى قوله: "المفارق للجماعة" فإن مجرد الخروج من الدين يوجب القتل وإن لم يفارق جماعة الناس فهذا وجه يحتمله الحديث وهو والله أعلم مقصود هذا الحديث.
وأما قوله: "لا يقبل الله توبة عبد أشرك بعد إسلامه" فقد رواه ابن ماجه من هذا الوجه ولفظه: "لا يقبل الله من مشرك أشرك بعد إسلامه عملا حتى يفارق المشركين إلى المسلمين" وهذا دليل على قبول إسلامه إذا رجع إلى المسلمين وبيان أن معنى الحديث أن توبته لا تقبل ما دام مقيما بين ظهراني المشركين مكثرا لسوادهم كحال الذين قتلوا ببدر ومعناه أن من أظهر الإسلام ثم فتن عن دينه حتى ارتد فإنه لا تقبل توبته وعمله حتى يهاجر إلى المسلمين وفي مثل هؤلاء نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِم} الآية وأيضا فإن ترك الدين وتبديله وفراق الجماعة يدوم ويستمر لأنه تابع للاعتقاد والاعتقاد دائم فمتى قطعه وتركه عاد كما كان ولم يبق لما مضى حكم أصلا ولا فيه فساد ولا يجوز أن يطلق عليه القول بأنه مبدل للدين ولا أنه تارك لدينه كما يطلق على الزاني والقاتل بأن هذا زان وقاتل فإن الكافر بعد إسلامه لا يجوز أن يسمى كافرا عند الإطلاق ولأن تبديل الدين وتركه في كونه موجبا للقتل بمنزلة الكفر الأصلي والحراب في كونهما كذلك فإذا كان زوال الكفر بالإسلام أو زوال المحاربة بالعهد يقطع حكم الكفر فكذلك زوال تبديل الدين وتركه بالعود إلى الدين وأخذه يقطع حكم ذلك التبديل والترك.