فصل.
إذا تقرر ذلك فإن الذي عليه جماهير أهل العلم أن المرتد يستتاب ومذهب مالك وأحمد أنه يستتاب ويؤجل بعد الاستتابة ثلاثة أيام وهل ذلك واجب أو مستحب؟ على روايتين عنهما أشهرهما عنهما: أن الاستتابة واجبة وهو قول إسحاق بن راهويه.
وكذلك مذهب الشافعي هل الاستتابة واجبة أو مستحبة على قولين لكن عنده في أحد القولين يستتاب فإن تاب في الحال وإلا قتل وهو قول ابن المنذر والمزني وفي القول الآخر يستتاب كمذهب مالك وأحمد.
وقال الزهري وابن القاسم في رواية: "يستتاب ثلاث مرات".
ومذهب أبي حنيفة أنه يستتاب أيضا فإن لم يتب وإلا قتل والمشهور عندهم أن الاستتابة مستحبة وذكر الطحاوي عنهم: لا يقتل المرتد حتى يستتاب وعندهم يعرض عليه الإسلام فإن أسلم وإلا قتل مكانه إلا أن يطلب أن يؤجل فإنه يؤجل ثلاثة أيام.
وقال الثوري: "يؤجل ما رجيت توبته وكذلك معنى قول النخعي".
وذهب عبيد بن عمير وطاوس إلى أنه يقتل ولا يستتاب لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بقتل المبدل دينه والتارك لدينه المفارق للجماعة ولم يأمر باستتابته كما أمر الله سبحانه بقتال المشركين من غير استتابة مع أنهم لو تابوا لكففنا عنهم.
يؤيد ذلك أن المرتد أغلظ كفرا من الكافر الأصلي فإذا جاز قتل الأسير الحربي من غير استتابة فقتل المرتد الأولى.
وسر ذلك أنا لا نجيز قتل كافر حتى نستتيبه بأن يكون قد بلغته دعوة محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فإن قتل من لم تبلغه الدعوة غير جائز