النفس من التلف إذا لم يأكل الميتة أو الدم بقدر ما يسد به رمقه، فمن ألجأته الضرورة إلى الأكل من الميتة أو الدم وهو غير باغ ولا عاد جاز له الأكل ولا إثم عليه، فأما أكل الربا فإن الله -تعالى- حرمه تحريمًا مطلقًا وجاءت السنة بتحريمه على الإطلاق، وما كان بهذه الصفة فليس لأحد أن يستثني منه ضرورة ولا حاجة؛ لأن ذلك من الاستدراك على الله وعلى رسول - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه السادس: أن يقال: إن الفتان قد قاس الضرورة التي زعمها في ربا النسيئة على الضرورة التي تبيح أكل الميتة والدم، وهذا قياس فاسد، وهو من جنس قياس الذين قالوا: إنما البيع مثل الربا، وقد رد الله على الذين قالوا بهذا القول الفاسد فقال -تعالى-: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وأما قياس الفتان فإنه يرد عليه بأن الله -تعالى- أباح للمضطرين أن يأكلون من الميتة والدم ولم يبح أكل الربا لضرورة ولا غيرها بل حرمه تحريما مطلقًا وتوعد عليه بأشد الوعيد، وهذا يسد باب التحليل لاستحلال الربا بدعوى الضرورة المزعومة والحاجة وغيرهما من الدعاوى الباطلة.
فصل
وقال الفتان: "الاتجاه الذي يميز ما بين الربا الوارد في القرآن الكريم وهو الربا الجلي، والربا الوارد في الحديث وهو الربا الخفي، وهذا الاتجاه يقسم الربا إلى ثلاثة أنواع؛ الأول: ربا الجاهلية، وهو الربا الذي نزل فيه القرآن الكريم، وخصيصته الأولى هي أن يقول صاحب الدَين للمدين عند حلول أجل الدين: "إما أن تقضي وإما أن تربي". الثاني: ربا النسيئة الوارد في الحديث الشريف، وهو أوسع كثيرا في مداه من ربا الجاهلية، بل ويختلف عنه اختلافا بيِّنا في كثير من الصور فهو بيع المكيل بالمكيل والموزون بالموزون والجنس بجنسه نسيئة لا فورا ولو من غير تفاضل. الثالث: ربا الفضل الوارد في الحديث الشريف وهو بيع المكيل أو الموزون بجنسه متفاضلا".
والجواب: أن يقال: أما تقسيم الربا إلى جلي وخفي فهو تقسيم لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قول أحد من الصحابة، وقد ذكرت الرد عليه من نصوص الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد إيراد كلام ابن القيم الذي جاء فيه هذا التقسيم فليراجع (?) ففيه كفاية في الرد على هذه الجملة من كلام الفتان.