وفي النصوص الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كفاية وغنية عن أقوال الناس، ولا قول لأحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الثالث: أن يقال: إن كلام الفتان ينقض بعضه بعضًا؛ لأنه قد صرح في أول نتيجته المضلة أن ربا النسيئة محرم لذاته تحريم المقاصد وأن ربا الفضل محرم تحريم الوسائل باعتباره وسيلة إلى ربا النسيئة، ثم نقض قوله في التحريم فأجاز ربا النسيئة للضرورة وأجاز ربا الفضل للحاجة، وهذا في الحقيقة من التلاعب بالدين إذ ليس في القرآن ولا في السنة ولا في الإجماع ما يدل على جواز ربا النسيئة للضرورة ولا على جواز ربا الفضل للحاجة، بل إن الأدلة من القرآن والسنة والإجماع كلها تدل على تحريم الربا على وجه العموم تحريما مطلقًا وليس فيها استثناء ضرورة ولا حاجة، وقد قال الله -تعالى-: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}.
الوجه الرابع: أن يقال: ما زعمه الفتان من جواز ربا النسيئة للضرورة وجواز ربا الفضل للحاجة فهو مردود بما جاء في القرآن والسنة من التشديد في أكل الربا على وجه العموم، فمن ذلك قول الله -تعالى-: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}، وقوله -تعالى- في آخر الآية: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اجتنبوا السبع الموبقات» فذكرها ومنها أكل الربا، ومن ذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه، وقد جاء ذلك في عدة أحاديث صحيحة، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية»، ومن ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما ظهر في قوم الزنا والربا إلا أحلوا بأنفسهم عذاب الله».
وما جاء في هذا الآيات والأحاديث من التشديد في أكل الربا فهو يعم جميع الحالات كما تدل على ذلك ظواهر الآيات والأحاديث، ومن استثنى حالة الضرورة في ربا النسيئة وحالة الحاجة في ربا الفضل فقد خالف القرآن والسنة وشرع من الدين ما لم يأذن به الله.
الوجه الخامس: أن يقال: إن الضرورة التي تبيح أكل الميتة والدم هي الخوف على