وأما قول: إن ربا الجاهلية هو الذي نزل فيه القرآن الكريم.
فجوابه: أن يقال: إن نصوص القرآن عامة فيدخل في عمومها ربا أهل الجاهلية وربا أهل الإسلام، وقد ذكرت الرد على هذه الجملة عند قول الفتان: إن الربا الذي كان معروفا في الجاهلية هو الذي نزل فيه القرآن فليراجع ذلك فيما تقدم (?)، وليراجع (?) أيضًا قول الجصاص: "إن قول الله -تعالى-: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} قد انتظم تحريم جميع ضروب الربا لشمول الاسم عليها من طريق الشرع، وقال أيضًا اسم الربا في الشرع يعتريه معانٍ أحدها: الربا الذي عليه أهل الجاهلية، والثاني: التفاضل في الجنس الواحد من المكيل أو الموزون، والثالث: النساء". انتهى.
فصل
وقال الفتان: الاتجاه الذي لا يحرم إلا ربا الجاهلية الوارد في القرآن وحده «لا ربا إلا في النسيئة».
"يستدل أصحاب هذا الاتجاه وعلى رأسهم ابن عباس بحديث رواه ابن عباس نفسه عن أسامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ربا إلا في النسيئة» فهم لا يحرمون ربا الفضل ولا يحرمون إلا ربا النسيئة، وقد ذكر السبكي في تكملة المجموع أن ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وعبد الله بن الزبير وأسامة بن زيد وزيد بن أرقم والبراء بن عازب، وروي عن معاوية ما يحتمل موافقتهم، ولف لفهم كثير من التابعين مثل عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة وفقهاء الأمصار - أن هذه الطائفة رأت أن الربا لا يكون إلا في النسيئة وكانوا يجيزون ربا النقد، وقال سعيد بن جبير: صحبت ابن عباس حتى مات فو الله ما رجع عن الصرف، أي قوله بجواز التفاضل في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة مع القبض، وقصر الربا على ربا النسيئة وهو ربا القرآن الكريم، ويقول سعيد: سألت ابن عباس أيضا قبل موته بعشرين ليلة عن الصرف فلم ير فيه بأسًا، وقال الشافعي في كتاب اختلاف الحديث: كان ابن عباس لا يري في دينار بدينارين ولا في درهم بدرهمين يدًا بيد بأسا ويراه في النسيئة، وكذلك عامة أصحابه".