الربح أو ثلثه أو ربعه أو جزء معلوم من أجزاء الربح وهذا أمر مجمع عليه، قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح أو نصفه أو ما يجمعان عليه بعد أن يكون ذلك معلومًا جزءًا من أجزاء". انتهى، وهذا الشرط غير موجود في أعمال أهل البنوك؛ لأنهم إنما يأخذون الأموال من أهلها على وجه القرض بحيث يكون الربح كله لأهل البنوك، ثم هم يجعلون لأهل الأموال نسبة معلومة في كل مائة من المال يضيفونها إلى رؤوس الأموال في كل عام ويسمون تلك النسبة باسم الفائدة، وهي عين ربا القرض الذي يجر منفعة، وتشبه إلى حد كبير ربا أهل الجاهلية؛ لأن الدائن في الجاهلية يقول للمدين: إذ حل أجل الدين إما أن تقضي وإما أن تربي، وأما أهل البنوك فإنهم يقولون بلسان الحال إما أن تأخذ مالك يا صاحب المال وإما أن تتركه عندنا لننتفع به ونجعل لك نسبة معلومة في كل مائة، وقد ذكر الجصاص أن ربا أهل الجاهلية هو القرض بزيادة مال على المستقرض.
الوجه الثالث: أن يقال: إن الوضع في الأموال عند أهل البنوك يختلف عن الوضع فيها في المضاربة؛ لأن أهل البنوك يأخذون الأموال من أهلها على وجه الضمان لرؤوس الأموال ولما يضاف إليها من النسبة المعلومة في كل عام، وهذا بخلاف المضاربة؛ لأن الأموال فيها غير مضمونة على العامل؛ لأنه أمين في مال المضاربة والقول قوله فيما يدَّعيه من تلف المال أو خسارة فيه وما يدعي عليه من خيانة أو تفريط، وفي اختلاف الوضع بين الأعمال الربوية في البنوك وبين المضاربة أبلغ رد على من جعلهما سواء.
الوجه الرابع: أن يقال: إن المضاربة إذا شرط صاحب المال أو العامل فيها أو كلاهما دراهم معلومة لنفسه لم تصح، قال ابن المنذر: "أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض - أي المضاربة - إذا جعل أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة، وممن حفظ ذلك عنه مالك والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي". انتهى.
وفيما ذكره ابن المنذر من الإجماع أبلغ رد على من جعل المعاملات الربوية في المصارف من المضاربة، وفيه أيضا دليل على أن هذه المعاملات من العقود الباطلة؛ لأنها إنما تعتمد على النسبة المعلومة التي يجعلها أهل المصارف لأهل الأموال، وما سوى النسبة من الأرباح فكله لأهل المصارف، وهذا عين ربا القرض الذي يجر منفعة.