فصل
وزعم الفتان: "أن المعاملات المصرفية تختلف تمامًا عن الأعمال الربوية التي حذر منها القرآن؛ لأنها معاملات جديدة لا تخضع في حكمها للنصوص القطعية التي وردت في القرآن بشأن حرمة الربا ولهذا يجب علينا النظر إليها من خلال مصالح العباد وحاجاتهم المشروعة اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إباحته بيع السلم رغم ما فيه من بيع غير موجود وبيع ما ليس عند البائع مما قد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأصل، وقد أجمع العلماء على أن إباحة السلم كانت لحاجة الناس إليه، وهكذا فقد اعتمد العلماء على السلم وعلى أمثاله من نصوص الشريعة في إباحة الحاجات التي لا تتم مصالح الناس في معاشهم إلا بها".
والجواب: أن يقال: أما زعم الفتان أن المعاملات المصرفية تختلف تمامًا عن الأعمال الربوية التي حذر منها القرآن، فهو زعم باطل وهو من قلب الحقيقة والتلبيس على الجهال، وبيان ذلك من وجهين؛ أحدهما: أن المعاملات المصرفية إنما تعتمد على أخذ رؤوس الأموال من أربابها بشرط الضمان لها ولما ينتج عنها من النسبة المعلومة التي يجعلها أهل المصارف لأهل الأموال في كل عام، وهذا هو القرض الذي يجر منفعة، والمنفعة هي النسبة المعلومة التي يجعلها أهل المصارف لأهل الأموال عوضا عن الانتفاع بأموالهم، وهي نوع من أنواع الربا المحرم بالكتاب والسنة والإجماع. وقد تقدم (?) قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "إن لفظ الربا يتناول كل ما نهي عنه من ربا النسأ وربا الفضل والقرض الذي يجر منفعة وغير ذلك"، قال: "فالنص متناول لهذا كله"، وتقدم (?) أيضا قول ابن حجر الهيتمي في تقسيم الربا إلى أربعة أنواع ربا الفضل وربا اليد وربا النسأ وربا القرض الذي يجر منفعة، قال: "وكل من هذا الأنواع الأربعة حرام بالإجماع وبنص الآيات والأحاديث، وما جاء في الربا من الوعيد شامل للأنواع الأربعة". انتهى.
وفي كلام شيخ الإسلام والهيتمي أبلغ رد على شبهة الفتان التي يحاول بها تحليل ربا القرض الذي يجر منفعة.