عليهم"، وفي هذه الجملة من كلام شيخ الإسلام أبلغ رد على الفتان الذي قد حاول تحليل الربا في المصارف ولم يبال بكونه معصية لله -تعالى- ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولا بكونه من الأفعال المحرمة بالكتاب والسنة والإجماع.
الوجه الثاني: أن يقال: إن المتعاملين بالربا مع أهل المصارف لم يكونوا يفعلون ذلك للحصول على المعيشة التي لا بد لهم منها وإنما كانوا يفعلونه للاستكثار من المال وتنميته ولو بالطرق المحرمة، وهذا مصداق ما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «ليأتين على الناس زمان لا يبالي المرء بما أخذ المال أمن حلال أم من حرام» رواه الإمام أحمد والبخاري والدارمي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ولو كان المتعاملون بالربا مع أهل المصارف يريدون الحصول على المعيشة التي لا بد لهم منها لكانوا ينفقون من رؤوس أموالهم ويتجرون فيها بما ليس فيه ربا ولا ظلم ولا غير ذلك من المكاسب المحرمة فإذا نفذ ما بأيديهم واضطروا إلى السؤال أبيح لهم السؤال؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص للمضطر الذي لا يجد شيئا يأكله أن يسأل الناس ما يسد به جوعه، ولم يأت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه رخص في أكل الربا قط ولو كانت الحالة حالة ضرورة.
وأما قوله: وعليه فإن طبيعة أعمال المصارف تختلف عن الربا المحرم في القرآن.
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن أنواع الربا كلها محرمة بالكتاب والسنة والإجماع، وهذا الحكم يشمل المصارف وغير المصارف على حد سواء، ومن أباح ربا الفضل في المصارف أو أباح فيها ربا النسيئة الذي ليس على طريقة ربا أهل الجاهلية فإنما هو في الحقيقة يرد على الله -تعالى- وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه، وقد قال الله -تعالى- منكرا على من كان على هذه الطريقة السيئة ومتوعدا لهم بأشد الوعيد: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}، فلا يأمن الفتان ومناصروه على تحليل الربا في المصارف أن يكون لهم نصيب وافر مما هو مذكور في هاتين الآيتين.
الوجه الثاني: أن يقال: إن تفريق الفتان بين أنواع الربا وزعمه أن بعضها محرم في القرآن دون غيره من أنواع الربا ليس عليه دليل البتة، وإنما هو من التحكم والقول في القرآن بغير علم وذلك من أعظم المحرمات.