وأما قول بعض المفسرين في بعض الآيات إنها نزلت فيما كان باقيا لثقيف من الربا الذي كان لهم في الجاهلية فأمروا بعد إسلامهم أن يتركوا الربا ويأخذوا رؤوس أموالهم.
فالجواب عنه: أن يقال: قد اختلف في سبب نزول بعض الآيات، هل كان ذلك بسبب ربا ثقيف على بني المغيرة، أو بسبب ربا عثمان والعباس -رضي الله عنهما- على صاحب التمر، وقد ذكرت الأقوال في ذلك في أثناء الكتاب فلتراجع (?)، وعلى كل من الأقوال التي تقدم ذكرها فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر عند الأصوليين، وليس في شيء من الآيات ما يدل على أن تحريم الربا خاص بما كان على طريقة أهل الجاهلية دون غيره من أنواع الربا، بل الحكم في الجميع واحد لا يختلف، وهو التحريم لجميع أنواع الربا، ما كان منه على طريقة أهل الجاهلية وما كان على غير طريقتهم، وعلى هذا تدل الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة والإجماع فلتراجع في أول الكتاب.
الوجه الثالث: أن يقال: إن طبيعة أعمال المصارف في التعامل بالربا شبيهة بعمل أهل الجاهلية في ذلك؛ لأن أهل الأموال يضعون أموالهم عند أهل المصارف ويجعلون لهم الحق في التصرف فيها والانتفاع بها بنسبة معلومة في المائة في كل عام، وهذه النسبة تضاف إلى رؤوس الأموال المدفوعة إلى أهل المصارف، وربما اجتمع من النسبة التي تضاف إلى رؤوس الأموال شيء كثير ولا سيما إذا ترك أهل الأموال رؤوس أموالهم في المصارف أعوامًا كثيرة، وهذا عين ربا أهل الجاهلية الذي قال فيه الفتان إنه محرم بالقرآن، وقال فيه أيضا: إنه محرم تحريما قطعيًا، وقد كرر هذا القول في مواضع كثيرة من نبذته، وذكر أن خصيصته أن يقول صاحب الدين للمدين عند حلول أجل الدين إما أن تقضي وإما أن تربي فإن لم يقض زاد المدين المال وزاد الدائن الأجل، هذا كلام الفتان (?)، ولو كان خاليا من الهوى وكان له أدنى علم ومعرفة لعلم أن طبيعة أعمال المصارف في التعامل بالربا شبيهة بعمل أهل الجاهلية، ولكن اتباعه للهوى وحبه للتزلف إلى أهل المصارف والمتعاملين معهم بالمعاملات الربوية وحرصه على إرضائهم بما يسخط الله -تعالى- أعماه وأصمه عن معرفة الحق والعمل به، وقد روى الإمام أحمد ....