مِنْكُمْ}، قال ابن جرير: "يقول لا يأكل بعضكم أموال بعض بما حرم عليه من الربا والقمار وغير ذلك من الأمور التي نهاكم عنها".

وقال ابن كثير: "ينهى -تبارك وتعالى- عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضًا بالباطل أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل وإن ظهرت في قالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا". انتهى.

وقال البغوي في الكلام على قوله -تعالى-: {بِالْبَاطِلِ}: "بالحرام يعني الربا والقمار والغصب والسرقة والخيانة ونحوها"، وقال الزمخشري والنسفي: " {بِالْبَاطِلِ}: بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا". انتهى.

الوجه الثاني: أن يقال: إن الله -تعالى- لما حرم الربا وحجر على العباد أن يأكلوه أحل لهم ما هو أنفع لهم في مصالح معاشهم وذلك بالبيع وأنواع المكاسب والعقود الخالية من الربا والظلم وأكل الأموال بالباطل، وإذا كان الفتان وأشياعه لم يرضوا بحكم الله -تعالى- وحكم رسوله - صلى الله عليه وسلم - في تحريم الربا على وجه العموم ولم يرضوا بالحجر على العباد أن يأكلوا الربا فلا رضوا أبدا، وإذا لم يسعهم في مصالح معاشهم ما وسع المسلمين منذ زمان نبيهم إلى زماننا من المكاسب الخالية من الربا وأكل أموال الناس بالباطل فلا وسَّع الله عليهم أبدًا.

وأما ما نقله الفتان عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أنه قال كل ما لا يتم المعاش إلا به فتحريمه حرج وهو منتف شرعًا.

فجوابه من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: إن الفتان لا يزال مفتونًا بالتلبيس على الجهال وذلك بما ينقله من كلام العلماء ويضعه على غير مواضعه، ومن ذلك ما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ليوهم من لا علم لهم أنه يؤيد رأيه الفاسد في تحليل الربا في المصارف، وقد ذكرت كلام شيخ الإسلام قريبًا (?) وذكرت أنه ليس فيه ما يتعلق به الفتان؛ لأنه لم يكن في مسائل الربا وإنما هو في تأجير الأرض التي تكون مشتملة على غراس وأرض تصلح للزرع، وقد قال في أثناء كلامه: "كل ما احتاج الناس إليه في معاشهم ولم يكن سببه معصية هي ترك واجب أو فعل محرم - لم يحرم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015