والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: ظاهر كلام الفتان أنه يحاول حصر الربا فيما كان معروفًا في الجاهلية، وكذلك ظاهر كلام رشيد رضا، ولهذا استدل كل منهما بالآية التي نزلت في الربا الذي كان لبعض المسلمين في الجاهلية فلما أسلموا طلبوا رباهم فأمرهم الله -تعالى- أن يأخذوا رؤوس أموالهم ويذروا الربا، ونص على أن أخذ الربا ظلم وأن النقص من رؤوس الأموال ظلم، وليس في الآية ما يدل على حصر الربا فيما كان معروفًا في الجاهلية كما قد توهم ذلك الفتان تقليدًا لرشيد رضا، بل إن الآية فيها دليل على أن الزيادة على رؤوس الأموال ظلم وإن كانت شيئا يسيرًا؛ لأن الله -تعالى- أمر المرابين أن يأخذوا رؤوس أموالهم ولا يزيدوا عليها فدل ذلك على أن الزيادة ظلم، وقد تقدم قريبا (?) قول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أن لفظ الربا يتناول كل ما نهي عنه من ربا النساء وربا الفضل والقرض الذي يجر منفعة وغير ذلك، قال: فالنص متناول لهذا كله، وقال أيضا: وهذا مثل الربا فإنه وإن رضي به المرابي وهو بالغ رشيد لم يبح ذلك لما فيه من ظلمه، ولهذا له أن يطالبه بما قبض منه من الزيادة ولا يعطيه إلا رأس ماله وإن كان قد بذله باختياره. انتهى.
الوجه الثاني: أن يقال: إن رشيد رضا قد زلَّ زلة عظيمة في قوله: إن المعاملة التي يقصد بها الإتجار لا القرض للحاجة هي من قسم البيع، وهذه الزلة أعظم من قول الذين أخبر الله عنهم أنهم قالوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} لأن هؤلاء جعلوا الربا نظير البيع، وأما رشيد رضا فإنه جعل المعاملة الربوية التي يقصد بها الإتجار من قسم البيع، وهذا من التعدي لحدود الله والتغيير في أحكامه وأحكام رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله -تعالى- حرَّم الربا تحريما مطلقًا يتناول جميع أنواع الربا وشدد فيه وتوعد عليه بأشد الوعيد وأنكر على الذين قالوا: {إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا}، وأمر المؤمنين أن يذروا الربا وآذن من لم يذره بالحرب منه ومن رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأمر المرابين أن يأخذوا رؤوس أموالهم وأن لا يَظلِموا بأخذ الزيادة على رؤوس أموالهم وأن لا يُظلَموا بالنقص من رؤوس أموالهم.
وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه، ونص على أن أكل الدرهم من الربا أشد من ستة وثلاثين زنية، وأخبر أنه من السبع الموبقات - أي المهلكات - وهذا يتناول جميع أنواع الربا، ولا فرق في ذلك بين ربا الفضل وربا النسيئة سواء كان على طريقة أهل الجاهلية أو على غير طريقتهم فكله داخل في عموم ...........