الربا الذي نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشدَّد فيه كما تقدم بيان ذلك في الأحاديث الثابتة المتواترة فلتراجع (?).
الوجه الثاني: أن يقال: إن كبار رجال الفتوى في الإسلام على الحقيقة هم علماء الصحابة -رضي الله عنهم-، فإذا ذكر كبار رجال الفتوى في الإسلام على وجه الإطلاق فإن هذا الوصف ينصرف إليهم قبل الذين كانوا من بعدهم، وبعد علماء الصحابة أكابر علماء التابعين ثم أئمة العلم والهدي من بعدهم، فهؤلاء هم الذين ينطبق عليهم الوصف بأنهم كبار رجال الفتوى في الإسلام، وقد تقدم بيان موقف الصحابة من تحريم الربا وفيهم الخلفاء الأربعة الراشدون المهديون، وفيهم أيضا عدد من العشرة المشهود لهم بالجنة، فليراجع ذلك في الفصل الذي قد ذكر فيه الإجماع على تحريم الربا (?)، وليراجع أيضا ما ذكر فيه من إجماع علماء الأمصار على أنه لا يجوز بيع ذهب بذهب ولا فضة بفضة ولا بر ببر ولا شعير بشعير ولا تمر بتمر ولا ملح بملح متفاضلا يدا بيد ولا نسيئة وأن من فعل ذلك فقد أربى والبيع مفسوخ، قال ابن المنذر: "وقد روينا هذا القول عن جماعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجماعة يكثر عددهم من التابعين".
وليراجع أيضا ما ذكر في أثناء الكتاب (?) عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، فأما أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- فإنه كتب إلى أمراء الأجناد حين قدموا الشام: "أما بعد: فإنكم قد هبطتم أرض الربا فلا تتبايعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن ولا الطعام بالطعام إلا كيلاً بكيل".
ولم يذكر عن أحد من أمراء الأجناد ولا عن غيرهم من الصحابة الذين كانوا معهم - وهم كثيرون جدا- أنهم خالفوا ما جاء في كتاب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- فدل ذلك على موافقتهم له.
وأما عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فإنه خطب الناس على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال في خطبته: "لا يشتري أحدكم دينارًا بدينارين ولا درهما بدرهمين ولا قفيزًا بقفيزين وإني لا أوتى بأحد فعله إلا أوجعته عقوبة في نفسه وماله".