قال الطحاوي بعد سياق هذا الأثر: "فهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يخطب بهذا على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحضرة أصحابه -رضوان الله عليهم- لا ينكره عليه منهم منكر فدل ذلك على موفقتهم له عليه". انتهى.
فهذا هو موقف أهل العلم وكبار رجال الفتوى في الإسلام من تحريم ربا الفضل والتشديد فيه، وما خالف موقفهم من محاولات الفتان وغيره من المتلاعبين بالدين وتهافتهم في التهوين من شأن ربا الفضل وربا النسيئة الذي لم يتخذ صورة التضعيف واستحلال هذين النوعين بالشبه والأباطيل فكله مردود ومضروب به عرض الحائط.
الوجه الثالث: أن يقال: إن المصارف لم توجد في زمان كبار رجال الفتوى في الإسلام وهم علماء الصحابة -رضي الله عنهم-، ولم توجد في زمان التابعين وأئمة العلم والهدي من بعدهم، وإنما حدثت وانتشرت في البلاد الإسلامية في القرن الرابع عشر من الهجرة، وعلى هذا فهل يقول عاقل إن كبار رجال الفتوى في الإسلام كان لهم موقف من المصارف، وهي لم تكن في زمانهم وإنما حدثت بعد زمانهم بنحو من ثلاثة عشر قرنًا؟! كلا، لا يقول ذلك إنسان يعقل ما يقول.
فإن قال الفتان إنه إنما أراد العلماء الذين نقل عنهم بعض الكلمات التي كان يرى فيها تأييدًا لرأيه واتجاهه الذي زعم فيه أن الربا يتخذ صورة التضعيف.
فالجواب: أن يقال: إن العلماء الذين نقل الفتان من كلامهم ما يظن أن فيه تأييدًا لباطله ليسوا كبار رجال الفتوى في الإسلام؛ لأن هذه الصفة إنما تنطبق مع الإطلاق على علماء الصحابة -رضي الله عنهم-، ثم تنطبق بعدهم على أكابر علماء التابعين، وأما العلماء الذين سيأتي ذكر ما نقله الفتان من كلامهم فإنهم وإن كانوا من أكابر العلماء في زمانهم ومن رجال الفتوى فليسوا بمنزلة علماء الصحابة ولا بمنزلة أكابر علماء التابعين، وعلى هذا فلا ينبغي أن يوصفوا بالصفة التي يستحقها علماء الصحابة بالأولوية.
ويقال أيضا: إن المصارف لم توجد إلا في زمان رشيد رضا وأقرانه وشيوخهم وأما غير رشيد رضا من العلماء الذي نقل الفتان من كلامهم ما سيأتي ذكره قريبًا فإنهم لم يكونوا يعرفون المصارف؛ لأنها لم توجد في أزمانهم وإنما حدثت بعد أزمانهم بدهر طويل، وعلى هذا فإنه ليس من المعقول أن يقال إن لهم موقفا من المصارف بل هذا يعد من هذيان الفتان ومن كذبه على العلماء الذين كانوا قبل زمان المصارف.