زعم قوم أن "الكلام مَا سُمع وفُهم" وذلك قولنا: "قام زيد" و"ذهب عَمْرو".
وقال قوم: "الكلام حروف مُؤلَّفة دالة عَلَى معنى".
والقولان عندنا مُتقاربان، لأن المسموع المفهوم لا يكاد يكون إِلاَّ بحروف مؤلَّفة تدل عَلَى معنى.
وقال لي بعض فقهاء بغداد: إن الكلام عَلَى ضربين مهمَل ومستعمَل. قال: فالمهمل: "هو الَّذِي لَمْ يوضع للفائدة" والمستعمل: "مَا وضع ليفيد" فأعلمته أن هَذَا كلام غيرُ صحيح، وذلك أن المهمَل عَلَى ضربين: ضربٌ لا يجوز ائتلاف حروفه فِي كلام العرب بَتَّةً، وذلك كجيم تؤلَّف مع كاف أَوْ كاف تقدَّم عَلَى جيم، وكعين مع غين، أَوْ حاء مع هاء أَوْ غين، فهذا وَمَا أشبهه لا يأتلف.
والضرب الآخر مَا يجوز تألُّف حروفه لكن العرب لَمْ تَقُل عَلَيْهِ، وذلك كإرادة مريد أن يقول: "عضخ" فهذا يجوز تألُّفه وَلَيْسَ بالنافر، ألا تراهم قَدْ قالوا فِي الأحرف الثلاثة: "خضع" لكن العرب لَمْ تقل عضخ، فهذان ضربا المهمل.
وله ضرب ثالث وهو أن يريد مريد أن يتكلم بكلمة عَلَى خمسة أحرف لَيْسَ فِيهَا من حروف الذَّلَقِ أَوْ الأطباق1 حرف.
وأي هَذِهِ الثلاثة كَانَ فإنه لا يجوز أن يسمى: "كلاماً" لما ذكرناه من أنه وإن كَانَ مسموعاً مؤلفاً فهو غير مفيد. وأهل اللغة لَمْ يذكروا المهمل فِي أقسام الكلام وإنما ذكروه فِي الأبنية المهملة الَّتِي لَمْ تَقل عَلَيْهَا العرب. فقد صح مَا قلناه من خطأِ من زعم أن المهمل كلام.