باب الخطاب المطلق والمقيّد:
أمّا الإطلاق فأن يّذكَر الشيء باسمه لا يُقرَن به صفة ولا شرط ولا زمان ولا عدد ولا شيء يشبه ذلك.
والتقيد أن يذكَر بِقَرِينٍ من بعض ما ذكرناه، فيكون ذلك القرين زائداً في المعنى. من ذلك أن يقول القائل: "زيدٌ لَيْثٌ"، فهذا إنما شبَّهه بليث في شجاعته، فإذا قال: "هو كالليثِ الحَرِبِ" فقد زاد "الحَرِبَ" وهو الغضبان الذي حُرِبَ فريسَتَه، أي: سُلِبَها. فإذا كان كذا كان أدهى له. ومن المطلَق قوله1:
ترائِبُها مَصْقولة كالسَّجَنْجلِ
فشبَّهَ صدرها بالمرآة، لم يزد على هذا. وذكر ذو الرّمة أخرى فزاد في المعنى حتى قيّد فقال2:
ووجهٌ كمرآة الغريبة أسْجَحُ
فذكر المرآة كما ذكر امرؤ القيس السَّجنجل، وزاد الثاني ذِكْرَ الغريبة فزاد في المعنى، وذلك أن الغريبة ليس لها من يُعْلِمها محاسنها من مساويها فهي تحتاج أن تكون مرآتها أصفى وأنقى لتُرِيَها ما تحتاج إلى رؤيته من سُنَنِ وجهها. ومنه قول الأعشى3:
تَرُوحُ على آل المُحَلَّق جَفنةٌ ... كجابِيَة الشيخ العِراقيِّ تَفْهَقُ
فشبَّه الجفنة بالجابية، وهي الحوض، وقيدها بذكر الشيخ العراقي، لأن العراقي إذا كان بالبدو لم يعرف مواضعَ الماء ومواقع الغيث، فهو على جمع الماء الكثير أحرص من البدوي العارف بالمناقِع والأحساء. وفي هذا الباب قول حُمَيد بن ثَوْر يصف بعيراً4: