وهنا تعليق رابع على كلام الصديق رضي الله عنه وأرضاه: هناك شبهة تافهة أثارها بعض المستشرقين وهي: أن هذا الحديث قد يكون من اختلاق الصديق؛ لكي يرجح كفة المهاجرين في النقاش الدائر في سقيفة بني ساعدة، وطبعاً واضح أن المستشرقين لم يفتقروا إلى العلم والفقه فقط، بل يفتقرون أيضاً إلى الأدب، وواضح أنهم لا يعلمون شيئاً عن الصديق ولا عن الصحابة، ولا عن عدالة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
ثم ألم يرو الحديث من طرق أخرى كثيرة غير طريق الصديق رضي الله عنه وأرضاه، وعن طريق بعض الأنصار أيضاً، وجاءت في كتب الصحاح والسنن في أكثر من موضع؟ ثم هل كان يسكت الأنصار إذا شكوا في الأمر؟ أكانت تعوزهم الحجة أو القوة؟ أكانوا يتركون ملكاً لحديث مشكوك فيه؟ فماذا قال المستشرقون؟ قالوا: الأنصار استحوا من أبي بكر، فنقول لهم: ألم تقولوا عنهم منذ قليل: إنهم طلاب دنيا وسلطان، أيستحيي طالب الدنيا من أن يقول لرجل يأخذ ملكه: هات الدليل على صدق ما تقول؟ أليس انصياع الأنصار التام دليلاً على نبل أخلاقهم وقيمهم من ناحية، ودليلاً على ارتفاع الصديق رضي الله عنه وأرضاه فوق مستوى الشبهات من ناحية أخرى؟ هذا والله! أراه حقاً لا ريب فيه، لكن {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].