عظم مصيبة موت النبي صلى الله عليه وسلم

عاش الصحابة في سعادة لمصاحبته ورؤيته والسماع منه والانصياع له صلى الله عليه وسلم، عاشوا على ذلك فترة من الزمان، حتى أذن الله عز وجل برحيل الحبيب صلى الله عليه وسلم عن دار الدنيا إلى دار الخلد في جنات النعيم، إلى الرفيق الأعلى، إلى راحة لا تعب فيها ولا نصب ولا وصب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر، والبشر يموتون، {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30].

ومع يقين الصحابة بذلك وثقتهم من بشريته صلى الله عليه وسلم إلا أنهم ما تخيلوا أن ذلك الموت سيحدث حقيقة، إنها فتنة عظيمة، ومصيبة كبيرة وبلاء مبين، فلم يصدق الصحابة رضوان الله عليهم، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات حقاً فكيف الحياة بدونه؟ ووراء من يصلون؟ وإلى نصح من ينصتون؟ من يعلمهم؟ ومن يربيهم؟ ومن يبتسم في وجوههم؟ ومن يرفق بهم؟ ومن يأخذ بأيديهم؟ إنها كارثة وأي كارثة؟ وأظلمت المدينة، وأصاب الحزن والهم كل شيء فيها، ليس الصحابة فقط بل نخيل المدينة وديار المدينة وطرق المدينة ودواب المدينة، فإذا كان جذع النخلة قد حن لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما فارقه ليخطب من فوق المنبر بدلاً منه حتى سمع الصحابة لجذع النخلة أنيناً، وحتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح بيده على الجذع حتى سكن، إذا كان الجذع فعل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم فارقه إلى منبر يبعد عنه خطوات معدودات فكيف بفراق لا رجعة فيه إلى يوم القيامة؟ فالصحابة ماذا يفعلون؟ أتطيب نفوسهم أن يهيلوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لقد تقطعت قلوب الصحابة، وتمزقت نفوسهم، وتحطمت مشاعرهم.

يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: (ما رأيت يوماً قط كان أحسن ولا أضوأ من يوم دخل علينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأيت يوماً قط كان أقبح ولا أظلم من يوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فهذه المصيبة أذهلت عقول الأشداء من الرجال، وأذهلت ألباب الحكماء منهم، فاحتاروا جميعاً، حتى وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما أدراك ما عمر بن الخطاب في عقله ورزانته وحكمته وإلهامه وقف وقد أخرجته الكارثة عن وعيه يقول: إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات، لكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران فغاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل: قد مات، والله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم يزعمون أنه مات.

إذا كان عمر كذلك فكيف بغيره من الصحابة؟ قال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المصيبة: لقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول وأضحت أرضنا مما عراها تكاد بنا جوانبها تميل فقدنا الوحي والتنزيل فينا يروج به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ماسالت عليه نفوس الناس أو كادت تسيل نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا تخشى ضلالاً علينا والرسول لنا دليل ثم يخاطب السيدة فاطمة رضي الله عنها فيقول: أفاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي ذاك السبيل فقبر أبيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول صلى الله عليه وسلم يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أظلمت المدينة حتى لم ينظر بعضنا إلى بعض، وكان أحدنا يبسط يده فلا يراها، وما فرغنا من دفنه حتى أنكرنا قلوبنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015