ما الصفة الرئيسية التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشتهر بها في مكة قبل البعثة وبعدها؟ إنها صفة الصدق والأمانة، فعرف بالصادق الأمين، وتعالوا ننظر ما هي الصفة التي اشتهر بها الصديق رضي الله عنه وأرضاه؟ عرف بـ الصديق، يعني: من كل صفات الرسول صلى الله عليه وسلم النبيلة عرف بالصادق الأمين، ومن كل صفات أبي بكر النبيلة عرف بـ الصديق، وهذه ملحوظة في غاية الأهمية.
ثم إن صفة الصدق هذه بالذات صفة في غاية الأهمية بالنسبة للداعية وأيضاً بالنسبة للمدعو؛ لأن الكذاب كثير الكذب والخائن كثير الخيانة وغالباً ما يصعب عليه أن يصدق الآخرين أو يأتمن الآخرين؛ لأنه دائم الظن أن الناس يفعلون كما يفعل، ويتصرفون كما يتصرف.
وأبو بكر لم يكن صادقاً فقط بل كان صديقاً، وكان يستقبح الكذب، وما أثر عنه كذبة واحدة لا في جاهلية ولا في إسلام، ورجل بهذه الصفات لا يفترض الكذب في غيره أبداً، بل هو يحسن الظن فيما يقال له، فما بالكم إذا كان الذي يحدثه رجل اشتهر بالصدق والأمانة حتى لقب بالصادق الأمين صلى الله عليه وسلم؟ ولن يشتهر بهذا عاماً أو عامين، بل أربعين سنة، ولم يشتهر بذلك في معظم أموره، بل في كل أموره، فكيف للصديق أن يفترض فيه الكذب؟ وكيف للصديق أن يفترض الكذب في رجل داوم على الصدق أربعين سنة؟ وكيف يتوقع أن هذا الرجل الذي ترك الكذب على الناس يكذب على الله عز وجل؟ هذا استنتاج بسيط لا يغيب عن عقل الصديق رضي الله عنه، بل إنه لم يغب عن ذهن أي رجل عاشر محمداً صلى الله عليه وسلم، بل حتى من لم يرها مثل هرقل ملك الروم؛ فإنه لما سأل أبا سفيان عن صدق النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو سفيان - وكان ما زال كافراً -: إنه لا يكذب، فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب عليكم ثم يكذب على الله وهكذا.
فالصدق المتبادل بين الداعية والمدعو من أشد عوامل قبول فكره، وإن كانت جديدة تماماً، وهي رسالة أيضاً إلى الدعاة: كن صادقاً وابحث عن الصادقين.