أول ما يلفت الأنظار في قصة الصديق رضي الله عنه أنه كان صديق رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام، بل كانا صديقين حميمين، وحقاً الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف.
فتعارفت روحا رسول الله صلى الله عليه وسلم والصديق رضي الله عنه، وأحب كل منهما الآخر حباً لا يوصف، وإنه لفضل عظيم للصديق أن يختاره رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقاً وحبيباً.
لاشك أن الصديق رضي الله عنه وأرضاه كان أهلاً لذلك، هذا الحب المتبادل بين الطرفين يفتح القلب، وينور العقل، ويرفع كثيراً من الحواجز التي توجد عادة بين عموم الناس، ويمهد الطريق لكل خير.
فرسالة لطيفة لكل الدعاة: لن تصل دعوتك إلى الناس إلا إذا أحببتهم وأحبوك حباً متبادلاً، ولابد أن يكون من نوع الحب الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الصديق؛ فإنه حب لم يبن على علاقة رحم، أو على مصالح مادية، أو على أغراض دنيوية، إنه الحب الذي يسميه الرسول صلى الله عليه وسلم الحب في الله، فأوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله.
فلا يمكن أن يكون إيمان من غير حب يصدق هذا الإيمان.
قد يقول قائل: أهل مكة جميعاً كانوا يحبون محمداً صلى الله عليه وسلم، وهذا صحيح، فلماذا لم يصل أحدهم إلى قلبه كما وصل الصديق رضي الله عنه؟
و صلى الله عليه وسلم أنه كان هناك توافق عجيب بين الشخصيتين العظيمتين: شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشخصية الصديق رضي الله عنه.
ومن أجل أن نعرف قدر الصديق رضي الله عنه نعرف أنه كانت صفات الصديق تتوافق مع صفات خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
وإذا توافقت بعض صفات الفرد مع فرد ينشأ نوع من التجاذب بين الفردين.
فمثلاً: الكريم يحب الكريم الذي مثله، وينفر من البخيل، والأمين يحب الأمين الذي مثله، وينفر من الخائن وهكذا، وكلما ازدادت صفات التوافق بين الفردين ازداد التجاذب بينهما حتى يصل إلى حد يكون فيهما الفردان روحاً واحدة في جسدين، يفرح أحدهما فرحاً حقيقياً لفرح الآخر ويحزن أحدهما حزناً حقيقياً لحزن الآخر، ويألم أحدهما ألماً حقيقياً لألم الآخر، وكثيراً ما يقتنع رجل برأي رجل آخر، بل ويدافع عنه إلى نهاية المطاف، مع كون هذا الرأي محارباً من عامة الناس؛ ذلك أنه أصبح دون تكلف ولا افتعال كرأيه تماماً، والله لا أحسب أن رجلاً في أمة الإسلام كان شديد الشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام من أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه.
والمقصود: هو الشبه في الأخلاق والأفعال، وليس في الصور والأجساد.