العربي أن يكون ملاذا لكل خائف، وملجأ لكل طريد؛ لأن في ذلك اعترافا بقوته ومروءته وكرمه، وهي فضائل يعتز كل عربي بأن تُنسب إليه، حتى لقد اشتهر بعض أشراف العرب بإجارة الخلعاء وحمايتهم1.

وكانت الصلة بين الجار والمجير تختلف -بطبيعة الحال- وفقا للظروف، فكانت أحيانا مؤقتة، وكانت أحيانا أخرى دائمة، بل وراثية، وفي بعض الحالات كان المجير يتعهد بأن ينصر جاره على عدو معين فقط، وفي حالات أخرى كان يتعهد بإجارته من كل الأعداء، بل من الموت نفسه، وكان هذا يعني أن يدفع المجير إذا مات جاره، وهو في جواره، دية لأسرته2، "وأقوى هذه الحالات على الإطلاق هي تلك التي يتعهد المجير لجاره بأن يثأر له حتى من أخيه الصميم"3.

ومن هنا كان العرب يسمون جارهم هَدْيَهم أو هديّهم "يحرم عليه منه ما يحرم من الهدي"4، وهي تسمية تشعرنا بتلك القداسة التي كانت للجوار في نفوس العرب، فهو عندهم شيء مقدس، كأنه قربان يتقربون به إلى الآلهة. ومما يلقي الضوء على هذه الفكرة أن بعض المكيين كانوا يقسمون على حمايتهم لجارهم في الكعبة، وكان هذا القسم يتخذ صورة إعلان عام،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015