القبيلة، وتصرفه تصرفا فرديا بدون رضاها أو الرجوع إليها، فتجد القبيلة نفسها أمام فرد "شاذ" خرج على إجماعها، ورفض السير في ركابها، وترى أنه بتصرفه هذا قد ترك لها حرية التصرف، وأنها أصبحت في حل من ذلك العقد الاجتماعي الذي يربطها به، فلم تعد مسئولة عما يفعل، فتتبرأ منه وتطرده من حماها، وتسحب منه "الجنسية القبلية"، وتعلن أنها قد خلعته، وأن صلته بها قد انقطعت، وحمايتها له قد انتهت، وتضامنها معه قد انحلت عقدته.

وكان هذا الخلع يتخذ صورة إعلان رسمي يذاع على الناس في المواسم والأسواق، ليكون في ذلك إشهاد لهم عليه1، وقد يبعثون مناديا بذلك2، وقد يكتبون به كتابا3، وبهذا تسقط حقوق الفرد على قبيلته "فلا تحتمل جريرة له، ولا تطالب بجريرة يجرها أحد عليه"4.

وهنا يجد الخليع نفسه أمام مشكلة خطرة، هي مشكلة الحياة أو الموت. لقد سحبت منه "الجنسية القبلية"، ورفعت القبيلة عنه حمايتها، وطردته من حماها، ولم تعد أمامه إلا أحد أمرين: إما أن يفر إلى الصحراء ليلاقي مصيره في البادية القاسية فقيرا مفردا، لا اعتماد له على أحد، ولا على شيء، وإما أن يلجأ إلى من يحميه ويعيش في جواره، ومن هنا كانت نشأة قانون آخر من قوانين المجتمع الجاهلي، وهو "قانون الجوار"5.

وقد قدس المجتمع الجاهلي هذا القانون تقديسا كبيرا، وكان مما يفخر به

طور بواسطة نورين ميديا © 2015