القوافل، أو "تعوير المتجر" كما كان يقول أهل مكة1، ويحدثنا الرواة أن لطائم النعمان التي كان يبعث بها كل عام للتجارة إلى عكاظ كان يعترضها بعض بني كنانة فينتهبها2، وليس من شك في لطائم النعمان كانت ضخمة كثيرة العدد والرجال.

ويبدو أن هذه الغارات -مهما تختلف أسبابها المباشرة باختلاف أصحابها- يرجع سببها العام إلى اختلال التوازن الاقتصادي في ذلك المجتمع الذي يضع طائفة من أفراده بين نابين من فقر وجوع، بينما يضع في أيدي طائفة أخرى كنوز الثروة ومفاتيح الاقتصاد، وهو لا يفصل بين هاتين الطبقتين، ولا يجعل كلا منهما تعيش في عالمها الخاص، وإنما أباح لإحداهما أن تعرض ثراءها، وتتيه بما أغدق عليها أمام أعين الطائفة الأخرى، فتزيد من إحساسها بالفقر والجوع، فكان من الطبيعي -إذا ما أتيحت لهذه الطائفة البائسة الفرصة لاغتصاب أي شيء من الطائفة الأخرى- أن تنتهزها مؤمنة بأن هذا الاغتصاب حق، ما دامت لا تبغي من ورائه سوى أن تعيش.

فإذا ما تركنا هذه القبائل التي كانت تنزل على الطرق التجارية، ومضينا إلى داخل البادية العربية حيث تنزل القبائل بعيدة عن مراكز النشاط التجاري، فإننا نجد ثمة صورا أخرى من صور الصراع بين الفقر والغنى.

والمجتمع البدوي من ناحيته الاقتصادية بسيط التكوين، يتكون من طبقتين اقتصاديتين أساسيتين: طبقة أصحاب الإبل، أو "أرباب المخائض" كما يسميهم بعض الشعراء3، وطبقة الصعاليك.

والناظر في المجتمع البدوي يلاحظ لأول وهلة أن الفرق الاقتصادي بين هاتين الطبقتين كان بعيدا، بقدر ما كان الفرق النفسي بينهما قريبا، ومن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015