وبهن أنزل نيزكا من شاهق ... والكرز حيث يروم كل مرام1
وأخاه شقرانا سقيت بكأسه ... وسقيت كأسهما أخا باذام
وتركت صولا حين صال مجدلا ... يركبنه بدوابر وحوام2
فنحن نرى المغيرة بن حبناء التميمي يعظم اغتيال قتيبة لنيزك، ويزهو به، ويصوب ارتكابه له، وينفي أن يكون جرما وإثما كبيرا، ويقرر أنه كان نصرا باهرا للعرب والمسلمين، في حين نرى ثابت قطنة الأزدي، يأخذه على قتيبة، ويعيبه به، ويهون من قدره لإقدامه عليه.
كذلك امتدح نهار بن توسعة البكري قتيبة لقضائه على الناكثين، وسوغ شدته عليهم، وعسفه بهم، فإنه إنما جازاهم ما يستحقون من العقاب، يقول3:
أراك الله في الأتراك حكما ... كحكم في قريظة والنضير
قضاء من قتيبة غير جور ... به يشفى الغليل من الصدور
فإن ير نيزك خزيا وذلا ... فكم في الحرب حمق من أمير
وفي سنة ثلاث وتسعين استعان خوارزم شاه بقتيبة، ليؤازره في تثبيت عرشه، ويبطش بأخيه خرزاد الذي ثار عليه، ويقمع ملك خام جرد الذي ناصبه العداء، فسار قتيبة إلى خوارزم، فقتل أخوه عبد الرحمن ملك خام جرد، واستباح بلاده، وقبض هو على خرزاد، ودفعه إلى الشاه، ودخل مدينة فيل عاصمة خوارزم. فقال كعب الأشقري يسجل هذه الغزوة الموفقة، وكان يزيد بن المهلب حاصر المدينة في ولايته الأولى، فلم يقدر على فتحها، واستعصت عليه4 فهجاه لذلك أقذع هجاء، ودمغه بالتقصير، وغمزه بأنه هو وإخوته وآباءه وأجداده لا يغنون في الحروب، لأنهم مزارعون محترفون، لا محاربون متمرسون، وأعلى قتيبة عليهم،