ولسنا بصدد تحقيق هذا القول، ولكن الصحيح أنه قد لفت الجرمان السماوية: الشمس والقمر نظر الإنسان إليهما بصورة خاصة، لما أدرك فيهما من أثر في الإنسان وفي طباعه وعمله، وفي الجو الذي يعيش فيه، وفي حياة زرعه وحيوانه، وفي تكوين ليله ونهاره والفصول التي تمر عليه، فتوصل بعقله يوم ذاك إلى أنه نفسه، وكل ما يحيط به، من فعل هذين الجرمين ومن أثر أجرام أخرى أقل شأنًا منهما عليه، فنسب إليهما نموه وتكوينه وبرئه وسقمه، وحياة زرعه وماشيته، ورسخ في عقله أنه إن تقرب وتعبد لهما، ولبقية الأجرام، فإنه سيرضيها، وستغدق عليه بالنعم والسعادة والمال والبركة في البنين، فصار من ثم عابد كوكب.
وهذه الأجرام السماوية الثلاثة هي الأجرام البارزة الظاهرة التي بهرت نظر الإنسان ولاسيما الشمس والقمر، والزهرة وإن كانت غير بارزة بروز الشمس والقمر، غير أنها ظاهرة واضحة مؤثرة بالقياس على بقية الأجرام، ذات مظهر جذاب، ولون باهر خلاب، وقد يكون هذا المظهر الجميل الأخاذ هو الذي جعلها ابنًا للشمس والقمر في أساطير العرب الجنوبيين.
ولكن الصحيح الذي لا مرية فيه أن هذه الآلهة لا تحتل نفس المركز في ديانة العرب الشماليين، بل كان التأثر لها عند الشماليين أقل من الجنوبيين، كما هو ظاهر، ولكن ما زال هناك من العرب الشماليين الساميين من مال إلى الانبهار بها وإلى اعتبارها آلهة تستحق التقدير والعبادة والتقديس، وهذا الأمر