وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أن له تابعًا من الجن ورئيًا يلقي إليه الأخبار، ومنهم من كان يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات، أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله أو فعله أو حاله، وهذا يخصونه باسم العراف.
والمقصود من هذا: أن من يدعي معرفة شيء من المغيبات، فهو إما داخل في اسم الكاهن، وإما مشارك له في المعنى فيلحق به؛ وذلك: (أن إصابة المخبر ببعض الأمور الغائبة في بعض الأحيان يكون بالكشف، ومنه ما هو من الشياطين، ويكون بالفأل والزجر والطيرة والضرب بالحصى والخط في الأرض والتنجيم والكهانة والسحر، ونحو هذا من علوم الجاهلية، ... وكل هذه الأمور يسمى صاحبها كاهنًا وعرافاً أو في معناهما ... ).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ـ لما قال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين: إن هؤلاء يحدثوننا أحيانًا بالأمر فيكون كما قالوا، فأخبرهم ـ: ((إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا (فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا) للذي قال (الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)، فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع، هكذا بعضه فوق بعض ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا،