كما أنه لا يلزم أن من أذن الله له في الشفاعة وأكرمه بذلك أن يكون الإذن له مطلقاً؛ لأنه لا فرق في الحقيقة بين ملكية الشفاعة والإذن المطلق فيها، وإنما يكون الإذن مقيدًا في كل شفاعة على الخصوص.

ولهذا لم يقبل شفاعة بينا محمد صلى الله عليه وسلم في أمه، ولا في أن يستغفر لبعض المنافقين، كما لم يؤذن لإبراهيم عليه السلام في أبيه، ولا لنوح عليه السلام في ابنه، مع أنهم أعظم الناس جاهًا ومنزلة عند الله، وإنما منع قبول الشفاعة منهم عدم رضى الله عن عمل المشفوع لهم لكونهم على الكفر، وسيأتي الكلام عن هذا قريباً.

ومن كل ما تقدم يتبين لنا أن من جعل المرجح والأصل في قبول الشفاعة مجرد إرادة الشافع، وأنه يشفع عند الله كما يشفع خواص الملوك ومن لهم منزلة عندهم، فإنه يكون بذلك مشركًا؛ لأ، هـ قد جعل على الله ضرورة من غيره، وقيد إرادة الله ومشيئته بإرادة المخلوق مهما كان جاهه ومنزلته عند الله، فإنه بهذا الاعتقاد وقع في الشرك في قدرة الله الكاملة، حيث تدخل فيه بعنصر خارجي.

وحقيقة الإذن للشافع في الشفاعة أن يقبل منه شفاعته فتكون نافعة، كما ذكره تعالى: (وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)، وقوله تعالى: (يَوْمَئِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا).

والمقصود من الآيتين: أن الشفاعة عنده لا تنفع إلا من أذن له فقبل شفاعته التي تتضمن الشفاعة بما يحبه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015