وقد قال تعالى: (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).

فالعبد هو الذي تقيد مشيئه بمشيئة الله، وليس الله هو الذي تقيد مشيئته بمشيئة العبد، ولأن مشيئة الله نافذة على كل مخلوق، وهو سبحانه لا مكره له ولا استحقاق لأحد عليه، فمقتضى ذلك أن لا يكون لأحد حق الشفاعة عنده، بل الشفاعة لله وحده يأذن فيها لمن يشاء ويمنعها عمن يشاء. ولهذا نفى الله سبحانه أن يكون غيره يملك الشفاعة من دونه في آيات كثيرة، وقد سبق إيراد بعض هذه الآيات فيما قبل. فهناك شفاعة منفية وشفاعة مثبتة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في التفريق بين الشفاعة المنفية والشفاعة المثبتة: (الشفاعة المنفية هي الشفاعة المعروفة عند الناس عند الإطلاق، وهي أن يشفع الشفيع إلى غيره ابتداء فيقبل شفاعته.

فأما إذا أذن له أن يشفع فشفع، لم يكن مستقلاً بالشفاعة، بل يكون مطيعًا له؛ أي تابعًا له في الشفاعة، وتكون شفاعته مقبولاً، ويكون الأمر كله للآمر المسؤول).

والله مع أنه مالك الشفاعة فإنه قد يأذن فيها لمن يشاء من عباده، ولا يلزم من ذلك أن يكون المأذون له في الشفاعة قد ملكها مع الله، بل هي لله وحده قبل الإذن وبعده. وإنما يكرم بها الله بعض عباده، ويشرفهم فيقبل شفاعتهم إذا كانت شفاعتهم عنده مرضية شرعًا. فحقيقة الشفاعة: إظهار كرامة الشافع وإرادة رحمة الله للمشفوع، وإلا فالأمر كله بيد الله، ليس فيه أي حق لنبي مرسل ولا لملك مقرب، ولا لأحد من خلقه مطلقاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015