أصل ضلال النصارى أيضاً.
فمن ظن أن الشفاعة المعهودة من الخلق للخلق ينفع عند الله مثل أن يشفع الإنسان عند من يرجوه المشفوع إليه، أو يخافه، كما يشفع عند الملك ابنه، أو أخوه، أو أعوانه، أو نظراؤه الذين يخافهم ويرجوهم، فيجيب سؤاله، لأجل رجائه أو خوفه منهم، أو أن لهم حقاً عنده يوجب عليه الإجابة فيمن يشفعون فيه عنده، وإن كان يكره شفاعتهم، ويشفعون بغير إذنه. فهذه الشفاعة هي التي نفاها الله جل وعلا في الآيات الأول، وهي أن يكون للشافع حق عند الله كما للشفعاء حق عند الملوك ونحوهم.
وهذا النوع الشركي هو الذي أشرك به من أشرك بالله، واتخذ وسائط يسألهم الشفاعة. كما كان يفعله النصارى، وأشباههم في ذلك من هذه الأمة، ويعتقدون أن لهم أن يسألوا المقبورين من الأنبياء والصالحين شفاعتهم، وهم يعتقدون أن لهم حقاً عند الله به يجيب شفاعتهم ولا يرد شفاعتهم.
وحقيقة هذه الشفاعة عند المتصوفة والضلال من هذه الأمة: طلب الشفاعة من غير الله على جهة أن المطلوب يملك الشفاعة ويستحق الإجابة على الله، وذلك لا شك تنقص لربوبية الله تعالى وتقييد لمشيئته وإرادته سبحانه وتعالى، فالكلام في استحقاق الله للشفاعة وكونها حق خالص له وحده فرع عن الكلام في إرادة الله وعمومها وشمولها وكونها نافذة في جميع مخلوقاته.
فمن أثبت لغير الله حق الشفاعة عند الله فقد قيد إرادة الله بإرادة المخلوق وجعل إرادة المخلوق نافذة وحاكمة على إرادة الله سبحانه. بينما المخلوق هو الذي لا يكون له فعل إلا بإرادة الله تعالى، فمشيئة المخلوق محكومة بمشيئة الله،