وأقدر على تحقيق العدالة منه. وحقق حلمهم ذاك أميرهم "قورش" "وذكر أحد الأخبار الإغريقية أن أمه هي ابنة ستياجيس آخر الملوك الماذيين"، فلم شمل الحاقدين على البيت المالك وقضى على عرش ماذي حوالي عام 555ق. م1، وبدأ أسرة حاكمة جديدة، أو دولة جديدة ذكرتها المصادر الفارسية الحديثة باسم الدولة الهخامنشية، وأطلقت المصادر اليونانية عليها اسم الدولة الأخمينية، واعتادت المؤلفات الحديثة على أن تذكرها باسم الدولة الفارسية "الأولى" وهو ما سنجري عليه فيما يلي "راجع كذلك ص311". وكان من تمجيد هذا الملك لنفسه قوله "أنا ابن كامبوزيا "قمبيز" الملك العظيم ملك أنشان حفيد قورش الملك العظيم ملك أنشان، سليل شيشبيش الملك العظيم ملك أنشان، من أسرة "مارست" الملكية دائمًا". وقال حفيده أخشويرش ما معناه: أنا ابن الملك دارا الهخامنشي، فارسي ابن فارسي، آري من نسل آري. ورثت الدولة ملك الماذيين، ولم تكن تقف بعزائمها الجديدة عندما وقفوا عنده، فتخوفت نهضتها كل من بابل وليديا ومصر، وكانت ليديا هي البادئة بعد أن بلغت أوج مجدها وثرائها في عهد ملكها كرويسوس Croesus "560-546 ق. م" وأخضعت المدن الإيونية والأيولية في آسيا الصغرى لنفوذها، حتى امتد سلطانها من نهر هاليس إلى بحر إيحه، وطمعت في أن تستغل البحر وتسيطر على جزره، وأصبحت شيئًا عظيمًا في نظر إغريق الشرق والغرب معًا. ثم أقلقتها نهضة فارس فأرادت أن تكون هي البادئة، وطلبت عون إغريق شبه جزيرة لاكيدايمونيا وزعيمتها إسبارطه، كما طلبت عون بابل ومصر. وتقدمت جيوشها ناحية الشرق، ولكنها ما لبثت حتى تحطمت أمام الطوفان الفارسي، فتراجعت فلولها إلى سارديس ولحق بها قورش وجنوده، فدمروا العاصمة وأسروا ملكها في عام 546ق. م. قبل أن يتمكن حلفاؤه من نجدته2، ... أتت نهايته على غير ما توقع لنفسه وعلى غير ما توقع الإغريق له.
وفي بابل لم تستمر النهضة بعد نبوخذ نصر طويلًا، وتعاقب ثلاثة من أسرته على العرش في مدى سبع سنوات ملؤها التفسخ والقلق، ثم انتقل الحكم منهم إلى "نابونهيد"، وكان من أسرة كهنوتية، أو على الأقل من أسرة يؤيدها الكهنة، ولو أنه لم يعتبر نفسه في نصوصه غريبًا عن الدوحة الحاكمة، فادعى أن الرؤى والآيات تعاقبت لتبشيره بأنه سيكون خليفة نبوخذ نصر ومتبعًا لسنته، برضا مردوك وبقية الأرباب. وأراد الرجل بعد اعتلائه العرش في عام 555ق. م3. أن يحقق حسن ظنه بنفسه، فأسرف في إظهار تقواه إزاء المعبودات بتجديد معابدهم وزيادتها، ومن أشهر ما جدده منها زقورة أور التي اعتبر مشيدها القديم أورنمو من أسلافه، ومعبد الشمس في سيبار الذي اعتبر مشيده نرام سين الأكدي من أجداده، وأسرف في إظهار حب العلم والشغف بجمع اللوحات والآثار القديمة4، وشاركته هذه الهواية ابنته التي عينها كبرى كاهنات رب القمر وادعى أن الرب اختارها زوجة بنفسه بعد أن هدد الدنيا