أسلفنا "في ص160" أن قصة "القروي الفصيح" ألفها أديب في العصر الأهناسي أو فيما بعده بقليل؛ ليصور بها ما هو كائن فعلًا في عصره من أوضاع الحكم والإدارة، ويعقب عليها بما كان يرجو أن يسود عصره من أوضاع مستحبة بين الحكام والمحكومين1. وتروي القصة أن قرويًّا يسمى "خون إنبو" خرج من بلدة تسمى "غيط الملح" وهي بلدة من نواحي الفيوم "وإن ظنها البعض خطأ في وادي النطرون" وترك فيها زوجته مارية وأولادها وترك لهم جانبًا مما كان يدخره من الغلال، وحمل حميره ببضاعة متواضعة من نطرون وأعشاب وجلود وأحجار شبه كريمة ابتغاء أن يتجر بها في مدينة أهناسيا عاصمة الملك في عهده. ومر في طريقه على قرية أو ضيعة تسمى "برفيفي" كان يتولى أمرها موظف شرير يدعى "تحوتي نخت" نيابة عن موظف آخر كبير كان يرأس نظارة الخاصة الملكية ويدعى "رنسي بن مرو". وطمع تحوتي نخت في تجارة القروي وحميره وأراد أن يكون له نصيب منها، وتفتق ذهنه عن حيلة خبيثة، فاعترضه على طريق زراعي ضيق كان لا بد له أن يمر عليه وأوعز إلى خادمه أن يبسط على الطريق قماشًا يغطيه بالعرض، ولما تقدم القروي على الطريق نهاه تحوتي نخت أن يمر على قماشه المبسوط، فاعتذر القروي بأنه كان حسن النية فيما أقدم عليه، وابتعد عن القماش وسار قرب الزراعة، فنهره تحوتي نخت مرة أخرى. وفجأة قضم أحد حمير القروي قضمه من سنابل الغلال فاعتبرها تحوتي نخت فرصته وأصر على أن يستولي على الحمار جزاء جرمه، فاحتج القروي وهدد بإبلاغ الأمر إلى ناظر الخاصة وصاحب الأرض، فغضب تحوتي نخت وأخذته العزة بالإثم واستولى على بضاعة الرجل وحميره كلها. وولول القروي واشتد عويله، فنهره تحوتي في صفاقة غريبة قائلًا له: "لا ترفع صوتك يا فلاح، أنت قريب من بلد رب السكون" .. وكان رب السكون هذا هو المعبود أوزير، ويبدو أنه كان له ضريح قريب من برفيفي يهابه الناس ويحترمونه.
ولكن القروي لم يهتم به وقال بلهجته الريفية اللطيفة: "تضربني وتنهب متاعي وتوقف الشكوى على لساني؟ يا رب السكون "إديني" إذن حاجتي حتى أبطل الصراخ الذي يقلقك".
واستمر القروي طيلة عشرة أيام يشكو حينًا ويسترحم حينًا، ولكن بغير طائل، فاتخذ سبيله إلى العاصمة أهناسيا ليشكو بلواه إلى ناظر الخاصة ونسي، وقابله فعلًا ذات صباح وهو في طريقه من داره إلى النهر ليستقل قارب المحكمة، ورجاه أن يرسل معه تابعًا مع من عنده حتى يعهد إليه بقصته. ورجع التابع بنص القصة إلى رئيسه، فعرضها رنسي على من كانوا بصحبته من الموظفين فهونوا الأمر عليه وانحازوا إلى جانب زميلهم تحوتي نخت وعز عليهم أن يعاقب من أجل فلاح، وحاولوا أن يشككوا رئيسهم في صحة دعواه. ولكن رنسي أسر أمرًا في نفسه.
واستبطأ القروي رد رنسي فوجه إليه استعطافًا رقيقًا لينًا حاول أن يستثير به نخوته، فحببه في العدل،