وصف سنوهي وفاة الفرعون أمنمحات فقال: "رفع الصقر إلى السماوات العلى، ولحق بالكوكب، واتصل بدنه ببارئه، وخيم الوجوم على عاصمته، وغلق مدخلا قصره، وحزن النبلاء عليه وولول العوام". ووصف الأرض التي نزلها في الشام فقال: "كانت بدلة طيبة تدعى إبا، فيها تين وأعناب، وخمرها أغزر من مائها، وفير عسلها وزيتونها، كل الثمر على أشجارها، فيها شعير وحنطة، ولا حصر لأنعامها"، ووصف حاله إزاء حسد بعض القبائل له وتحدي أحد أبطالها لمنازلته في غربته، فقال: "أصبحت أشبه بفحل وسط قطيع غريب يضربه قائد العجول ويهاجمه ثور طويل القرون ... ، ولكن إذا كان الخصم فحلًا ويبغي القتال فأنا بدوري فحل قتال، ولست أخشى ما ينتهي أمرنا إليه".
وروى رسالة الفرعون إليه يستدعيه، وذكر في جزء منها قول سنوسرت له " ... عد إلى مصر حتى ترى الأرض التي نشأت فيها، وقبل الأرض عند البوابة الثنائية العظمى والتحق بالبلاط. لقد هرمت الآن وعز نشاطك، فتذكر يوم الدفن، وليلة إعداد الطيوب والأكفان، ويومًا يعد لك فيه موكب مشهود وتابوت ذهبي بقناع من اللازورد ... ، لا ينبغي أن تموت في بلد غريب، ولا ينبغي أن يخفرك البدو، أو تكفن في جلد شاه ... ، هذا ليس أوان الطواف في الأرض، فعد واحذر المرض ... ". وردًا على هذه الروح الرقيقة من فرعونه، كتب سنوهي إليه يشكره ويبرئ نفسه قائلًا " ... هذا ابتهال خادم لمولاه ذي الإدراك، البصير بالناس، عساه يقدر ما تهيب هذا العبد روايته ولا زال أكبر من أن يردد ... "، ثم قال: " ... إن فرار خادمك لم يخطط، لم يكن في ذهني، لم أكن منشغلًا به، ولا أدري ما الذي زحزحني عن مكاني، كما لو كنت في حلم، ثم أحسست بإحساس رجل من الدلتا وجد نفسه فجأة في أسوان، أو رجل من مناقع الشمال وجد نفسه فجأة في النوبة. لم أروع، ولم يتتبعني أحد، لم أسمع كلمة تحقير، ولم يذكر منادٍ اسمي "بسوء"، ومع ذلك اقشعر بدني وارتعدت فرائصي، وساقني قلبي إلى حيث أراد من قدر الأمر ... "1.
اليأس من الحياة:
استشهدنا على بلبلة الأفكار والمذاهب في عصر الانتقال الأول "ص158 - 159" بحوار بين رجل سئم عيوب الحياة في عصره، وبين روحه، وذكرنا أنه تضمن ثلاثة اتجاهات فكرية تضاربت في ذهنه وجادلته روحه بها: اتجاهًا ضاق بمساوئ عصره، وآخر دعا إلى متعة الدنيا وشك في وجود الآخرة، وثالث اعتبر مشكلات الحياة متاعب زائلة، وتطلع إلى عدل الجزاء في الآخرة. وكانت ثلاثة من أربعة اتجاهات أشرنا إلى اعتبارها نتيجة طبيعية لزلزلة الأوضاع السياسية والاجتماعية في نهاية الدولة القديمة واضطراب الناس بعدها في تلمس وضع صالح لأمور دنياهم وأخراهم. وتنقص المحاورة جزءًا من بدايتها2.