رأي تصور أصحابه "ومنهم كايناتي" أن شبه الجزيرة كانت أشبه بمستودع بشري كبير للساميين، وأن نوبات الجفاف الشديدة الطويلة التي تعاقبت عليها في دورات مناخية ثابتة ظلت عاملًا أساسيًّا في ضيقها بسكانها الزائدين عن طاقة مواردها الطبيعية وظلت سببًا في دفعها إياهم إلى الهجرة الكثيفة منها على حقب متباعدة يفصل بين الواحدة منها والأخرى نحو ألف عام1.

ورأي آخر عارض تعليل الرأي الأول، وهون أصحابه "ومنهم موزيل" من أهمية تأثير نوبات الجفاف في عملية الدفع الكثيف إلى الخارج. ورأوا أن تحديد الدورة المناخية وما بين فترات الهجرة بألف عام ليس له ما يزكيه. وقدروا من ناحيتهم أن أسباب الهجرات العربية الكبيرة القديمة انحصرت أساسًا في عاملين بشريين وهما: تعاقب الضعف السياسي على إمارات شبه الجزيرة العربية من حين إلى آخر، ثم تحول الطرق التجارية عن مسالكها الداخلية لسبب أو لآخر. وأقام هذا الرأي حجته عن أساس أن الإمارات المستقرة القوية تستطيع أن تذود عن ديارها وأن تحمي مواردها الطبيعية وتنميها، وتستطيع أن تحسن استغلالها وتنظم الانتفاع بها، وتستطيع أن ترعى أسباب العمران في أرضها، وتستطيع أن توفر السلام لأهلها وتيسر الرزق لأعدادهم المتزايدة، طالما احتفظت بقوتها، فإذا ما اعتراها التمزق السياسي أدى إلى عجزها عن حماية أرضها ومواصلة مشاريع التنمية والاستغلال ومسايرة العمران فيها، والعجز عن حفظ الأمن والسلام الداخلي، حتى ينتهي الأمر إلى شيوع الفتن والفرقة في أقاليمها، وإلى بوار أرضها وإهمال موارد الري فيها والعجز عن تنظيم استغلالها، والعجز بالتالي عن توفية مطالب سكانها.

ولم يقل أثر تحول الطرق التجارية الرئيسية، في نظر أصحاب هذا الرأي، عن أثر ضعف الإمارات في عمليات الهجرة الكثيفة على أساس أنه كان من شأنه كلما حدث أن يفضي إلى كساد التعامل وبوار الأرزاق وانتشار الفقر والمجاعات على امتداد الطرق التجارية الداخلية وفي محاط القوافل التي يقل نشاطها، ثم يؤدي في نهاية أمره إلى ضيق أهلها بأرضهم وضيق مواردها بهم.

وهكذا إذا اشتد تأثير أحد العاملين، تمزق الإمارات، أو تحول طرق التجارة ومواردها، أو ازدوج هذان العاملان، لم يكن هناك مناص من أن تترك جماعات كثيرة من السكان مواطنها وتهاجر منها إلى مواطن خارجية أخرى تطمع أن تأمن فيها على أهلها وتطمع أن تضمن فيها معاشها2.

ويبدو أن هذا الرأي كان أكثر التفاتًا إلى ظروف الجنوب العربي حيث قامت دول وانهارت، وحيث اشتدت المنافسات الداخلية والخارجية على تحويل طرق التجارة من مسار إلى مسار بين كل حين وآخر.

وجمع رأي ثالث بين وجهتي النظر السابقتين، واعتقد أصحابه "ومنهم حزين" أن العوامل السياسية التي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015