فإذاً عندنا حكمان حكم يتعلق بالفضاء وحكم يتعلق بالبنيان، ما تعلق بالفضاء تحريم استقبال القبلة واستدبارها والحكم المتعلق بالبنيان جواز استقبال القبلة واستدبارها في البنيان إذاً حكمان ما الدليل؟ الدليل حديث أبي أيوب مرفوعاً (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا) متفق عليه، (إذا أتيتم الغائط) أي وصلتم المكان الذي تقضى فيه الحاجة (فلا تستقبلوا) لا ناهية وتستقبلوا فعل مضارع سلط عليه لا الناهية والأصل في النهي أنه يقتضي التحريم إذاً يحرم مطابق للمدلول النص فقوله (فلا تستقبلوا) يفيد التحريم وقال المصنف (يحرم استقبال القبلة واستدبارها) (فلا تستقبلوا القبلة) المراد به الكعبة القبلة هي الكعبة - بغائط ولا بول - (ولا تستدبروها) كذلك نهي تستدبروها فعل مضارع سلط عليه النهي حينئذٍ من هذه الجملة نأخذ تحريم استدبار القبلة حال قضاء الحاجة (ولكن شرقوا أو غربوا) هذا أمر لأهل المدينة خاص بهم ليس عاماً يعني ليس هذا من الأمور التي تعتبر من الشرعيات يعني لابد أن نشرق وأن نغرب كما هو الشأن في أهل المدينة لأن الواقع هكذا لأن القبلة في الجنوب عندهم فإذا استقبلوا أو استدبروا حينئذٍ لابد أن يشرقوا أو يغربوا منعوا من الشمال والجنوب ولم يبقى عندهم إلى الشرق والغرب حينئذٍ (شرقوا أو غربوا) بحسب الواقع دل هذا النص على تحريم استقبال القبلة واستدبارها مطلقاً في الفضاء وفي البنيان لكن جاء النص من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في موضعين اثنين من حديث جابر وفيه إثبات استقبال القبلة في البنيان وجاء من حديث ابن عمر كذلك فيه استدبار القبلة في البنيان حينئذٍ جعل هذان النصان مخصصين لهذا النص حينئذٍ نجمع بين الأدلة بأن نحمل حديث أبي أيوب على الفضاء ونحمل حديث ابن عمر وحديث جابر على البنيان وهذا القول هو المرجح وهو أقوى الأقوال من حيث الجمع بين النصوص ولذلك قال الحافظ رحمه الله تعالى في هذا القول وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة لأن من رجح حديث أبي أيوب أهمل حديث ابن عمر فقال هذا قول وهذا فعل وثَمَّ قاعدة يقعدها الفقهاء وهي قاعدة فاسدة من أصلها وهي أنه إذا تعارض قول مع فعل للنبي صلى الله عليه وسلم إما أن يجعل الفعل خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم دون دليل على إثبات الخصوصية وهذا باطل وإما أن يجعل تعارض بين القول والفعل فيجعل القول للأمة ثم يتوقف في الحديث الذي جاء فيه فعل للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن نقول فعل النبي صلى الله عليه وسلم من حيث التشريع مساوي لقوله لا فرق بينهما كما نثبت الأحكام الشرعية بقوله عليه الصلاة والسلام كذلك نثبت الأحكام الشرعية بفعله عليه الصلاة والسلام فإذا جاء قول عام له عليه الصلاة والسلام وجاء فعل يخالف ذلك القول فإن كان القول عاماً جعل الفعل مخصصاً وإن كان القول مطلقاً جعل الفعل وهو مخالف له مقيداً إن لم يمكن الجمع بين القول والفعل حينئذٍ نقول من حيث قوة القول مقدم على قوة الفعل بمعنى أننا نرجح القول على الفعل هذا متى؟ عند عدم إمكان الجمع بين الدليلين لأنه إذا لم يرد معارض لفعل النبي صلى الله عليه وسلم هل نثبت الأحكام أو لا؟ هل تثبت