الأحكام بفعل النبي صلى الله عليه وسلم أو لا؟ نعم لا شك أن الأحكام تثبت بفعل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثبت بفعله صار دليلاً شرعياً وخاصة مع عموم قول جل وعلا (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) (في) ظرفيه إذاً الرسول ذاته وقوله وفعله أسوة حسنة هذا الأصل فيه حينئذٍ يكون كله عليه الصلاة والسلام دليل وهو تشريع سواء تكلم أو فعل إن تكلم وفعل وظهر تعارض في أذهاننا حينئذٍ نجمع بينهما لأن كل منهما تشريع ولذلك قال ابن حجر (أعدل الأقوال لأن فيه جمع بين الأدلة) ولا شك أن إعمال الدليلين قوى من إهمال أحدهما ولذلك نقول هذا القول هو المرجح لأنه يعلق التحريم وهو مدل عليه حديث أبي أيوب بالفضاء وأما البنيان فالأصل فيه الجواز لحديث جابر (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستقبل القبلة أو نستدبرها لبول ثم رأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها) حسنه الترمذي ومع الغرابة ونقل عن البخاري تصحيحه وصححه ابن خزيمة كذلك وابن حبان والحاكم على شرط مسلم ووافقه الذهبي الحديث فيه عنعنة ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد فهو حسن ثابت لا شك فيه وحديث ابن عمر في الصحيحين (رَقِيتُ رَقَيتُ يوماً على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) حديث جابر في ظاهره أنه ناسخ لأنه قال (رأيته قبل أن يقبض بعام) لكن لا نحمله على النسخ لماذا؟ لأن لا نسخ مع الاحتمال وإنما يحمل على أنه رآه في بنيان جمعاً بينه وبين حديث ابن عمر مع حديث أبي أيوب لأن جابراً رضي الله عنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته قبل أن يقبض بعام في بنياناً جمعاً بين الأدلة وحديث ابن عمر صريح لأنه قال (رقيت يوماً على بيت حفصة) إذاً فعل النبي صلى الله عليه وسلم أو قضى حاجته إنما هو في البنيان وفرق بين حديث أبي أيوب وحديث ابن عمر من حيث البنيان وعدمه وإذا جعل الشارع هذا علة فاصلة بين الحكمين نقول سمعاً وأطعنا ولا نورد التجويزات العقلية على النصوص على مجرد ما يقع في الأذهان فما دل عليه للفظ نبقى معه ونقول سمعاً وأطعنا فدل حديث أبي أيوب على التحريم في الفضاء ودل ما نقله ابن عمر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم على الجواز في البنيان وما عدا ذلك فهو قوله لا يضطرب إما أن يقول بحديث أبي أيوب ونغفل حديث ابن عمر وهذا فيه إبطال لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو دليل تثبت به الأحكام الشرعية إذاً (ويحرم استقبال القبلة واستدبارها في غير بنيان) فيجوز يعني في البنيان يجوز ويكفي انحرافه عن جهة القبلة يعني لابد أن ينحرف لكن لابد أن يكون الانحراف كثيراً يعني إذا كان مستقبل القبلة في الفضاء متى لا يكون مستقبلاً؟ إذا انحرف عنها قال انحراف يسير أو كثير؟ المذهب أنه انحراف يسير نقول الانحراف اليسير لا يخرج المستقبل في الصلاة عن صلاته فحينئذٍ لا يكون مؤثراً في ترك التحريم هنا أو البعد عن المحرم فلابد أن يكون الانحراف كثيراً، ثم قال رحمه الله تعالى (ولبثه فوق حاجته) أي ويحرم (لُبثه لَبثه) بفتح اللام وضمها يقال لَبِثَ في المكان لَبْثاً ولُبْثاً مكث وأقام (فوق حاجته) يعني إذا انتهى من قضاء الحاجة واستبرأ لبوله ونحوه