إذاً قولهم (فأمره النبي صلى الله عليه وسلم) لا يلزم بأن يكون واجباً وإنما طلب منهم حينئذٍ يكون مشروعاً وإذا كان مشروعاً يحمل على أدنى أحوال التشريع وهو الاستحباب يؤكد هذا لو قيل بأن أمر متعينة في الوجوب نقول وجد الصارف لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له (إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله فإن هم أطاعوك لذلك فأمره - بالاغتسال قال - بالصلاة) لو كان اغتسل الكافر بعد إسلامه واجباً لكان هو أول الواجبات وهنا النبي صلى الله عليه وسلم ماذا قدم؟ قدم الصلاة فلما لم يأمر معاذاً أن يأمر أهل الكتاب بعد إسلامه بالاغتسال والمقام هنا مقام بيان حينئذٍ دل على أنه ليس بواجب ثم عشرات بل مئات الصحابة أسلموا ولم ينقل حرف واحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر وما ذكر هذا يحمل على الاستحباب وهذا قول أكثر أهل العلم لأن العدد الكثير والجم الغفير أسلموا فلو أمر كل من أسلم به لنقل نقلاً من تواتراً ظاهراً وثمامة اغتسل ثم تشهد يعني اغتسل أولاً ثم تشهد رواه البخاري ولم يذكر أنه أمره، وقيس أمره أن يغتسل بماء وسدر والسدر غير واجب فيحمل الحديثان على الاستحباب جمعاً بين الأدلة ولو قيل بأنه لا يدل على الوجوب لكان هذا موافق للقواعد الأصولية فأمره ومروه لا يدل على الوجوب وإنما يدل على أنه مشروع مطلوب الإيجاب فيحمل على الاستحباب حتى يرد دليل على أنه واجب، إذاً هذا أسلام كافر الأصل فيه أنه مستحب لا واجب، (وموت) يعني الرابع من موجبات الغسل الموت تعبداً لا عن حدث بمعنى أن الموت ليس بحدث ولذلك لو كان حدث لو غسلوه قال فمر الماء ما ارتفع؛ لأن الموت باقي حينئذٍ دل ذلك على أنه من باب التعبد لا من باب أنه رفع للحدث ودليله قوله صلى الله عليه وسلم (اغسلنها) وغيره من الأحاديث الآتية في صلاة الجنازة وهو تعبد لا عن حدث وهو محل إجماع أنه من فروض الكفاية، (وحيض ونفاس) يعني الخامس والسادس من موجبات الغسل (حيض ونفاس) والنفاس هو الدم الخارج بسبب الولادة سيأتي معنا الحيض وما يتعلق بالنفاس في باب خاص أو خاتمة أبواب كتاب الطهارة ولا خلاف في وجوب الغسل بهما لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش (وإذا ذهبت حيضتك فاغتسل) هذا أمر نعم هذا أمر واضح (اغتسل وصلي) وقوله تعالى (فإذا تطهرن) أي اغتسلن فمنع الزوجة من وطئها قبل غسلها فدل على وجوبه عليها إذاً الحيض والنفاس موجبان للغسل بالإجماع والنفاس دم حيض مجتمع الدليل القائم على إيجاب الغسل من الحيض هو الدليل القائم على إيجاب الغسل من النفاس، (لا ولادة عارية عن دم) مادام أن السبب والمقتضي للنفاس هو خروج الدم فإذا لم يوجد الدم حينئذٍ انتفى السبب فإذا انتفى السبب انتفى الحكم فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً أوجبنا الغسل على المرأة النفاس لخروج الدم لأنه دم حيض حينئذٍ إذا ولدت ولد عاري عن دم وليس فيه قطرة دم إذاً امتنع الغسل ولذلك قال (لا ولادة عارية عن دم) لأنه لا نص فيه ولا هو في معنا المنصوص لأن الدم هو الموجب للغسل فإذا انتفى حينئذٍ انتفى الحكم ولذلك إذا كانت امرأة حاملاً وكانت صائمة فولدت ولد