(نَحْمَدُهُ)، أي: نثني عليه الثناء اللائقة بجلاله، وفرق بين الجملتين أن الجملة الاسمية تدل على الثبوت والدوام، والجملة الفعلية تدل على الحدوث والتذلل، ولما كان متعلق الحمد في الأول، وهذا معنى صحيح ثابت، يعني: لا بد أن نقول بالتغايب، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الحمد لله نحمده». إذا قلت بأن كلا الجملتين بمعنى واحد صارت الجملة الثانية حشوًا وتكرار، فلا بد من إظهار الفرق بين الجملتين فيقال: إن الحمد لله. علق الحمد بالله المتصف بصفاته، والذات باقية مستمرة فناسب أن يأتي بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار (نَحْمَدُهُ)، حينئذٍ علقه بالنعم، والنعم هذه لا تزال تجدد وتحصل تكون شيئًا بعد شيء، فناسب أن يأتي بجملة فعلية الدالة على الثبوت والتجدد، إذًا فرق بين النوعين (نَحْمَدُهُ)، إذًا أتى بالجملة الفعلية لمناسبة قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن الحمد لله نحمده». وللفرق بين الجملتين، وإن كان الأولى هنا أن يأتي بالهمز أحمده لأنه يتكلم عن نفسه، وإنما أتى بالنون الدالة على العظمة إظهارًا لتعظيم الله له بتأهله بالعلم محدثًا بنعمة الله تعالى.

(جَلَّ)، أي: عظم. والجملة هنا حالية على حذف قد، يعني: قد جل. أو اعترافيه، (عَلَى الإِنْعَامِ) متعلق بقوله: (نَحْمَدُهُ). نحمده على ماذا؟ على الإنعام، وعلى هنا تعليلية، كما في قوله: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} [البقرة: 185]. يعني: لأجل هدايته إياكم، هنا نحمده جل وعلا لأجل إنعامه، فعلق الحمد بالإنعام، والإنعام مصدر أَنْعَمَ يُنْعِمُ وهو: إعطاء النعمة. حينئذٍ الإنعام متجدد يكون شيئًا بعد شيء، وكذلك الحمد ناسب أن يكون متجددًا، (عَلَى الإِنْعَامِ) (الإِنْعَامِ) مصدر أَنْعَمَ يُنْعِمُ إِنْعَامًا المراد به إعطاء النعم، لذلك جاء في المصدر ولم يأتي في ثمرة المصدر، ثمرة المصدر ما هو؟ النعمة، لم يذكر النعمة لئلا يقيد الحمد بنعمة دون أخرى إذا كانت النعم لا تعد ولا تحصى ما لفظ الذي يعبر عن هذه النعم؟ هذا لا يمكن فأتى بالمصدر للدلالة على أن الله تعالى هو المنعم فحينئذٍ يترتب عليه نعم لا تحصى ولا تعد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015