هذا تقسيمٌ للعلم باعتبار آخر، وهو باعتبار الطريق الموصل إليه، كيف نصل إلى هذا العلم؟ إمَّا أن نصل إليه ضرورة بأن يكون دفعةً واحدة فلا نحتاج إلى تأمل وتفكير، وإمَّا أن لا يتصل إليه إلا بالتفكير هذا أمرٌ فطري كل علم معلوم إما أن تصل إليه بالتأمل والتفكير وإما أن تصل إليه هكذا دفعة واحدة.
فالأول يسمى علمًا نظريًّا، لأنه مبنيٌ على النظر والتأمل والتفكر.
والثاني: يسمى ضروريًّا لأنه مبنيٌ على الضرورة وهي: عدم قدرة من أدرك على دفع هذا العلم، فيأتيك بغتة كعلمك بوجود أنت، كما سيأتي.
(وَالنَّظَرِي) بإسكان الياء للضرورة (مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ) (مَا) اسم موصول بمعنى الذي نفسره بالعلم فيدخل فيه العلم بنوعيه وهو: التصور، والتصديق. فما هنا بمعنى علم العلم فيدخل فيه التصور والتصديق، إذًا تصورٌ احتاج إلى التأمل، إذًا التصور يكون تصورًا نظريًّا، تصورٌ [يحتاج إلى أو تصديقٌ نعم] تصور احتاج إلى التأمل، تصديق (احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ)، إذًا قوله: (مَا). شمل نوعي العلم: التصور، والتصديق. فيكون التصور نظريًّا يحتاج للتأمل، ويكون التصديق نظريًّا يحتاج إلى التأمل. (وَالنَّظَرِي مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ) يعني: للفكر والنظر بالمعنى الاصطلاحي. (وَعَكْسُهُ)، يعني: خلافه مقابله. (هُوَ الضَّرُورِيُّ) (هُوَ)، يعني: العلم. (الضَّرُورِيُّ)، يعني: نسبةً إلى الضرورة. (وَعَكْسُهُ)، يعني: ما لا يحتاج للتأمل، بل يحصل دفعةً واحدة لا يستطيع الإنسان أن يدفعه عن نفسه، والضرورة هي التي لم تتوقف أو يتوقف حصولها على نظرٍ واستدلال، بل العلم الضروري يحصل بمجرد التفات النفس إليه فيضطر الإنسان إلى إدراكه ولا يمكنه دفعه عن نفسه.