ليس ثَمَّ ارتباط بين الفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر، حينئذٍ العقل لا يجد مناسبة بينهما، ولذلك يشترطون في حد الكلام أن يكون مؤلف، يعني: يكون مناسبة بين المبتدأ والخبر، والفعل والفاعل، حينئذٍ النسبة التي: ارتباط المحمول بالموضوع. إدراكها يسمى تصورًا، بقي شيء رابع وهو تصور لكنه يسمى تصديقًا عند المناطقة وهو: وقعوه في الخارج. لأن هذه الثلاثة الأول كلها وجودها وجود ذهني زَيْدٌ قَائِمٌ كلها في الذهن لكن بقي هل بالفعل في الخارج زيدٌ قائم أو ليس بقائم؟ إن أدركته، بمعنى أنه قائمٌ بالفعل حينئذٍ يسمى تصديقًا، فالأخير الذي هو موافق للنسبة الخارجية يسمى تصديقًا، ولذلك قوله: (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ). (نِسْبَةٍ) المراد بالنسبة هنا النسبة الخارجية، وفسرها بعضهم بالنسبة الكلامية # وهي: ثبوت المحمول للموضوع على وجه الإثبات أو على وجه النفي، حينئذٍ لا بد من التقدير وبذلك تجد في بعض الشروحات (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ)، أي: درك وقوع نسبة. هذا فسر النسبة بالكلامية # الدلالية# التي هي ثبوت المحمول للموضوع هذه تسمى ماذا؟ نسبة كلامية #، بقطع النظر عن كونه موجودةً في الخارج أو لا، النسبة الخارجية هي الوقوع واللا وقوع، وتسمى بالانتزاع والإيقاع، أو الإِيقاع والانتزاع، هذا الشيء الذي يكون في الخارج إذا أدركت معناه بمعنى أنه واقعٌ بالفعل يسمى تصديقًا، والأولى أن يعبر هنا (وَدَرْكُ نِسْبَةٍ) نحمل النسبة على النسبة الخارجية (بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ).
ثم قال:
وَقَدِّمِ الأَوَّلَ عِنْدَ الوَضْعِ ... لأَنَّهُ مُقَدَّمٌ بِالطَّبْعِ
إذًا قسم لك في البيت الأول العلم إلى قسمين، قسم لك العلم إلى قسمين، وهذا التقسيم بحسب ما يتعلق به تصور، وتصديق.
التصور: إدراك المفرد.
التصديق: إدراك المركب.
والمراد بالمركب هنا النسب التامة، يعني: المبتدأ والخبر، والفعل وفاعله، أو نائب الفاعل، هكذا بسطه الشيخ الأمين رحمه الله تعالى.
ثم قال:
وَقَدِّمِ الأَوَّلَ عِنْدَ الوَضْعِ ... لأَنَّهُ مُقَدَّمٌ بِالطَّبْعِ
إذا أردت أن تشرح وأن تذكر وأن تُعَلِّم وتتعلم تقدم التصورات على التصديقات، لأن هذا أمر فطري مركوز في الفطرة إذا بدأت تتعلم في شيء فحينئذٍ تأخذ المفردات تتوصل بها إلى علمٍ في المركبات، ولذلك قال: (وَقَدِّمِ الأَوَّلَ). يعني: التصور على التصديق (عِنْدَ الوَضْعِ) (عِنْدَ) بمعنى فيه، يعني: في الذكر في الكتابة والتعلم والتعليم. (لأَنَّهُ)، أي: التصور. (مُقَدَّمٌ) على التصديق (بِالطَّبْعِ)، يعني: بحسب اقتضاء طبيعة التصور. يعني: حقيقته، لأن حقيقة التصور هي: إدراك المفرد. ولا شك أن العلم في المفردات مقدمٌ على العلم بالكليات، وهذا أمر واضح لا يمكن أن يتعلم الشيء الكلي إلا إذا عرفت جزئياته، لو قيل لك [هذا اعرف ما الذي له] أو ما ماهية هذه الساعة؟ لا بد أن تعرف أنها ركبت من ماذا أولاً ثم تتدرج إلى معرفة النهاية.
وَقَدِّمِ الأَوَّلَ عِنْدَ الوَضْعِ ... لأَنَّهُ مُقَدَّمٌ بِالطَّبْعِ
وَالنَّظَرِي مَا احْتَاجَ لِلتَّأَمُّلِ ... وَعَكْسُهُ هُوَ الضَّرُورِيُّ الجَلِي