على عمل فيه مشقة وكلفة، بل متى لم يكن الفعل شاقاً لم يستحق صاحبه الثواب أصلًا، ولهذا جعلوا الأحكام كلها من باب التكاليف، حتى اضطر بعضهم كالكعبي أنِ جعل المباح من قبيل الواجب.
فظهر أن الاصطلاح على تسمية شرع الله سبحانه ومنهاجه تكاليف لا يصح لأمرين:
أولًا: لعدم التسليم بصحة هذا الإطلاق وهو أن الأحكام كلها مشقات، فإن أوامر الله وشرعه ليست كلها مشقات. وهذا الإطلاق مخالف لما نفاه الله سبحانه من الحرج والضيق عن هذا الدين.
ثانياً: عدم التسليمِ بصحة إطلاق هذه التسمية على جميع الأحكام، فإن الله سبحانه سماها أحكاماً، وشرعة ومنهاجاً ونوراً ووصفها سبحانه بأنها رحمة ويسر وتيسيراً ... ).
قال الشيخ عياض السلمي في "أصوله" (ص/68): (أنكر بعض العلماء أن تسمى أوامر الشرع ونواهيه تكاليف؛ لأنها ليس فيها مشقة (?).
والصواب: صحة الإطلاق؛ إما من جهة أن الإطلاق جاء من قولهم: كَلِفت بالأمر، إذا أحببته، وتكاليف الشرع محبوبة للمؤمن، وإما من جهة أن التكاليف الشرعية لا تخلو من مشقة، ولكنها مشقة معتادة؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات» (رواه مسلم من حديث أنس مرفوعا)، وتكون المشقة المنفية هي المشقة الخارجة عن المعتاد المؤدية إلى اختلال الحياة أو المعاش.
ومما يدل على صحة تسمية أوامر الشرع تكليفا قوله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة 286] فالآية تدل على امتناع التكليف بما خرج عن الوسع والطاقة، وتدل على صحة التكليف بما يدخل تحت الوسع والقدرة بطريق المفهوم).