آخر ليس هذا محله وإنما الغرض التنبيه على أصلهم وبيان فساده.

قال تقي الدين ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/ 25): (نفس الإيمان بالله وعبادته ومحبته وإجلاله هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه كما عليه أهل الإيمان وكما دل عليه القرآن لا كما يقول من يعتقد من أهل الكلام ونحوهم إن عبادته تكليف ومشقة وخلاف مقصود القلب لمجرد الامتحان والاختبار أو لأجل التعويض بالأجرة كما يقوله المعتزلة وغيرهم فإنه وإن كان في الأعمال الصالحة ما هو على خلاف هوى النفس والله سبحانه يأجر العبد على الأعمال المأمور بها مع المشقة كما قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ) الآية [التوبة: 120] وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة: (أجرك على قدر نصبك) فليس ذلك هو المقصود الأول بالأمر الشرعي وإنما وقع ضمنا وتبعا لأسباب.

ولهذا لم يجئ في الكتاب والسنة وكلام السلف إطلاق القول على الإيمان والعمل الصالح أنه تكليف كما يطلق ذلك كثير من المتكلمة والمتفقهة وإنما جاء ذكر التكليف في موضع النفي كقوله: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، (لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ) [النساء: 84]، (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) [الطلاق: 7] أي وإن وقع في الأمر تكليف فلا يكلف إلا قدر الوسع لا أنه يسمى جميع الشريعة تكليفا مع أن غالبها قرة العيون وسرور القلوب ولذات الأرواح وكمال النعيم وذلك لإرادة وجه الله والإنابة إليه وذكره وتوجه الوجه إليه فهو الإله الحق الذي تطمئن إليه القلوب ولا يقوم غيره مقامه في ذلك أبدا قال الله تعالى: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم: 65]).

وقال الشيخ العروسي في "المسائل المشتركة" (ص/86): (أطلق الأصوليون والفقهاء على أوامر الله سبحانه ونواهيه بأنها تكاليف، وسموا الأحكام الشرعية بالأحكام التكليفية. ثم قال بعضهم في تعريف التكليف: بأنه إرادة المكلف من المكلف فعل ما يشق عليه، فلزم من ذلك أن الأحكام الشرعية خطاب الشارع بما فيه مشقة على المخاطب.

وإطلاق لفظ التكاليف على جميع الأحكام الشرعية، قول مستحدث، وأول من استعمل هذا الإطلاق المعتزلة، إذ أن من أصولهم أن الثواب والعقاب لا يترتب إلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015